﴿قالت الأعراب﴾ أي: أهل البادية من بني أسد وغيرهم الذين هم معدن الغلظة والجفاء ﴿آمنا﴾ أي: بجميع ما جئت به فامتثلنا ما أمرنا به في هذه السورة ولنا النسب الخالص فنحن أشرف من غيرنا من أهل المدر ﴿قل﴾ يا أشرف الخلق تكذيباً لهم مع مراعاة الأدب في عدم التصريح بالتكذيب ﴿لم تؤمنوا﴾ أي: لم تصدّق قلوبكم لأنكم لو آمنتم لم تمنوا لأنّ الإيمان التصديق بجميع ما لله من الكمال الذي منه أنه لولا منه بالهداية لم يحصل الإيمان فله ولرسوله الذي كان ذلك على يديه المنّ والفضل ﴿ولكن قولوا أسلمنا﴾ أي: أظهرنا الانقياد في الظاهر للأحكام الظاهرة وأمنا من أن نكون حرباً للمؤمنين وعوناً للمشركين، فأخبر الله تعالى أنّ حقيقة الإيمان هو التصديق بالقلب وإن الإقرار باللسان وإظهار شرائعه بالأبدان لا يكون إيماناً دون التصديق بالقلب والإخلاص فالإسلام هو الدخول في السلم كما يقال أشتى إذا دخل في الشتاء وأصاف إذا دخل في الصيف وأربع إذا دخل في الربيع فمن الإسلام ما هو طاعة على الحقيقة باللسان والأبدان والجنان كقوله عز وجل لإبراهيم ﴿أسلم قال أسلمت لرب العالمين﴾ (البقرة: ١٣١)
ومنه ما هو انقياد باللسان دون القلب وذلك قوله تعالى: ﴿ولكن قولوا أسلمنا﴾ ﴿ولما يدخل الإيمان﴾ أي: المعرفة التامّة لم تدخل إلى هذا الوقت ﴿في قلوبكم﴾ فلا يعدّ إقرار اللسان إيماناً إلا لمواطأة القلب قال ابن برجان: فعموم الناس وأكثر أهل الغفلة مسلمون غير مؤمنين.
وعن سعد بن أبي وقاص «قال أعطى رسول الله ﷺ رهطاً وأنا جالس فيهم فترك رسول الله ﷺ رجلاً منهم لم يعطه وهو أعجبهم إليّ فقمت إلى رسول الله ﷺ فساررته.
فقلت: مالك عن فلان والله إني لأراه مؤمناً. فقال ﷺ أو مسلماً ذكر ذلك سعد ثلاثاً وأجابه بمثل ذلك ثم قال: إني لأعطي الرجل وغيره أحب إليّ منه خشية أن يكب في النار على وجهه»
.
(١١/١٦٦)
---


الصفحة التالية
Icon