﴿قتل﴾ أي لعن ﴿الخراصون﴾ أي الكذابون وهم الذين لا يجزمون بأمر بل هم شاكون متحيرون وهم أصحاب القول المختلف.
ثم وصفهم الله تعالى فقال تعالى:
(١١/٢٠٨)
---
﴿الذين هم﴾ أي خاصة ﴿في غمرة﴾ أي جهل يغمرهم ﴿ساهون﴾ أي غريقون في السهو وهو النسيان والغفلة والحيرة وذهاب القلب إلى غير ما يهمه، ففاعل ذلك ذو ألوان متخالفة من هول ما هو فيه وشدة كربه.
﴿يسألون﴾ النبيّ استهزاءً ﴿أيان﴾ أي متى وأي حين ﴿يوم الدين﴾ أي وقوع الجزاء الذي تخبرنا به ولولا أنهم بهذه الحالة لتذكروا من أنفسهم أنه ليس أحد منهم يترك عبيده وإجراءه في عمل من الأعمال إلا وهو يحاسبهم على أعمالهم، وينظر قطعاً في أحوالهم ويحكم بينهم في أقوالهم وأفعالهم فكيف الظن بأحكم الحاكمين أن يترك عبيده الذين خلقهم على هذا النظام المحكم وأبدع لهم هذين الخافقين وهيأ لأجلهم فيهما كل ما يحتاجون إليه فيتركهم سدى ويوجدهم عبثاً؟.
وقوله تعالى: ﴿يوم هم﴾ منصوب بمضمر، أي: الجزاء كائن يوم هم ﴿على النار يفتنون﴾ أي يعذبون فيها جواب لسؤالهم أيان يوم الدين، وقال الرازي يحتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون جواباً عن قولهم أيان يقع فكما أنهم لم يسألوا سؤال مستفهم طالب للعلم، كذلك لم يجبهم جواب معلم مبين، بل قال ﴿يوم هم على النار يفتنون﴾ فجهلهم بالثاني أقوى من جهلهم بالأوّل، ولا يجوز أن يكون الجواب بالأخفى، فلو قال قائل: متى يقدم زيد فلو أجيب بقوله: يوم يقدم رفيقه، ولا يعلم يوم قدوم الرفيق لم يصح هذا الجواب.
ثانيهما: أن يكون ذلك ابتداء كلام تمامه في قوله تعالى:
﴿ذوقوا فتنتكم﴾ أي تعذيبكم فإن قيل: هذا يفضي إلى الإضمار أجيب: بأن الإضمار لا بدّ منه لأنّ قوله تعالى: ﴿ذوقوا فتنتكم﴾ لا يتصل بما قبله إلا بإضمار يقال ﴿هذا﴾ أي العذاب الملون ﴿الذي كنتم به تستعجلون﴾ في الدنيا استهزاء.
ولما بين تعالى حال المجرمين بين بعده حال المتقين فقال تعالى:
(١١/٢٠٩)
---