فدل على أنّ إنكاره، حصل بعد تقريب العجل إليهم وههنا قال ﴿فقالوا سلاماً قال سلام قوم منكرون﴾ ثم قال ﴿فراغ إلى أهله﴾ بفاء التعقيب وذلك يدل على أنّ تقريب الطعام منهم بعد حصول إنكاره فما وجهه؟ أجيب بأن يقال لعلهم كانوا مخالفين لصفة الناس في الشكل والهيئة ولذلك قال ﴿قوم منكرون﴾ أي عند كل أحد واشترك إبراهيم عليه السلام وغيره فيه ولهذا لم يقل أنكرتم بل قال: أنتم منكرون في أنفسكم عند كل أحد منا، ثم لما امتنعوا من الطعام تأكد الإنكار لأنّ إبراهيم تفرّد بمشاهدة إمساكهم فنكرهم فوق الإنكار الأوّل وحكاية الحال في سورة هود أبسط مما ذكره ههنا، فإنه هنا لم يبين المبشر به وهناك ذكره باسمه وهو إسحاق وههنا لم يقل إنّ القوم قوم من، وهناك قال: قوم لوط.
ولما كانا بعيدين عن قبول الولد تسبب عن ذلك قوله تعالى دالاً على أنّ الولد إسحاق مع الدلالة على أنّ خفاء الأسباب لا يؤثر في وجود المسببات.
﴿فأقبلت﴾ أي: من سماع هذا الكلام ﴿امرأته﴾ سارة قيل: لم يكن ذلك إقبالاً من مكان إلى مكان بل كانت في البيت، فهو كقول القائل: أقبل يفعل كذا إذا أخذ فيه وقوله تعالى: ﴿في صرّة﴾ أي: صيحة حال، أي: جاءت صائحة لأنها قد امتلأت عجباً ﴿فصكت﴾ قال ابن عباس: لطمت ﴿وجهها﴾ واختلف في صفته فقيل: هو الضرب باليد مبسوطة وقيل: هو ضرب الوجه بأطراف الأصابع فعل المتعجب، وهي عادة النساء إذا أنكرن شيئاً، وأصل الصك ضرب الشيء بالشيء العريض. وقيل: جمعت أصابعها وضربت جبهتها عجباً وذاك من عادة النساء أيضاً إذا أنكرن شيئاً ﴿وقالت﴾ تريد أن تستبين الأمر هل الولد منها أو من غيرها ﴿عجوز﴾ قال القشيري: قيل إنها كانت يومئذ ابنة ثمان وتسعين سنة ومع ذلك ﴿عقيم﴾ فهي حال شبابها لم تكن تقبل الحبل فلم تلد قط.
ولما قالت ذلك قالوا مجيبين لها.
(١١/٢٢١)
---