وقال في موضع آخر ﴿إنّ رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون﴾ (الشعراء: ٢٧)
وردّ الناس عليه هذا وقالوا: لا ضرورة تدعو إلى ذلك وأمّا الآيتان فلا تدلان على أنه قالهما معاً في آن واحد، وإنما يفيدان أنه قالهما أعمّ من أن يكونا معاً، أو هذه في وقت وهذه في آخر.
ولما وقعت التسلية بهذا للأولياء قال تعالى محذراً للأعداء.
﴿فأخذناه﴾ أي: أخذ غضب وقهر بعظمتنا وقوله تعالى: ﴿وجنوده﴾ يجوز أن يكون معطوفاً على مفعول أخذناه وهو الظاهر وأن يكون مفعولاً معه.
﴿فنبذناهم﴾ أي: طرحناهم طرح مستهين بهم كما تطرح الحصيات ﴿في اليمّ﴾ أي: البحر الذي هو أهل لأن يقصد بعد أن سلطنا الريح عليه فغرقته لما ضربه موسى عليه السلام بعصاه ونشفت أرضه وأيبست ما أبرزت فيه من الطرق لنجاة أوليائنا وهلاك أعدائنا ﴿وهو﴾ أي والحال أنّ فرعون ﴿مليم﴾ أي آت بما يلام عليه من تكذيب الرسول ودعوى الربوبية وغير ذلك.
ثم ذكر تعالى قصصاً أخر تسلية لنبينا ﷺ إحداها: قوله تعالى:
(١١/٢٢٧)
---
﴿وفي عادٍ﴾ أي: إهلاكهم وهم قوم هود عليه السلام آية عظيمة ﴿إذ﴾ أي حين ﴿أرسلنا﴾ بعظمتنا ﴿عليهم الريح﴾ فأتتهم تحمل سحابة سوداء وهي تدر الرمل وترمي بالحجارة كما مرّت الإشارة إليه على كيفية لا تطاق ﴿العقيم﴾ أي التي لا خير فيها لا تحمل المطر ولا تلقح الشجر وهي الدبور.
ثم بين عقمها وإعقامها بقوله تعالى:
﴿ما تذر﴾ أي: تترك على حالة رديئة، وأغرق في النفي فقال تعالى: ﴿من شيء أتت عليه﴾ أي: إتياناً أراد مرسلها إهلاكه بها ﴿إلا جعلته كالرميم﴾ أي: الشيء البالي الذي دهكته الأيام والليالي إلى حالة الدمار وهو في كلامهم ما يبس من نبات الأرض وديس، قاله ابن جرير.