﴿إني لكم منه﴾ أي: لا من غيره ﴿نذير﴾ أي: من أن يفرّ أحد إلى غيره فإنه لا يحصل له قصد ﴿مبين﴾ أي: بين الإنذار ففرار العامّة من الجهل إلى العلم عقداً وسعياً، ومن الكسل إلى التشمير حذراً وحزماً ومن الضيق إلى السعة ثقة ورجاء وفرار خاصة الخاصة مما دون الحق إلى الحق استغراقاً في وحدانيته.
﴿ولا تجعلوا﴾ أي: بأهوائكم ﴿مع الله﴾ وكرر الاسم الأعظم ولم يضمر تعييناً للمراد، لأنه لم يشاركه في التسمية به أحد وتنبيهاً على ماله من صفات الكمال وتعميماً لوجوه المقاصد لئلا يظنّ لو قيل معه إنّ المراد النهي على الجعل من جهة الفرار لا من جهة غيرها ﴿إلهاً آخر﴾ ثم علل النهي مع التأكيد بطعنهم في نذارته فقال ﴿إني لكم منه﴾ أي لا من غيره، فإن غيره لا يقدر على شيء ﴿نذير﴾ أي: محذر من الهلاك الأبدي بالعقوبة التي لاخلاص معها إن فعلتم ذلك ﴿مبين﴾ أي: لا أقول شيئاً من واضح النقل إلا ودليله ظاهر.
﴿كذلك﴾ أي مثل قول قومك المختلف العظيم الشناعة البعيد من الصواب بما له من الاضطراب وقع لمن قبلهم ودلّ على هذا المقدّر بقوله تعالى مستأنفاً ﴿ما أتى الذين من قبلهم﴾ أي: كفار مكة وعمم النفي فقال تعالى: ﴿من رسول﴾ أي من عند الله تعالى ﴿إلا قالوا ساحر أو مجنون﴾ أي مثل تكذيبهم لك بقولهم ذلك لأنّ الرسول يأتيهم بمخالفة مألوفاتهم التي قادتهم إليها أهواؤهم، والهوى هو الذي أوجب لهم هذا التناقض الظاهر سواء أكانت أو للتفصيل، لأنّ بعضهم قال: واحداً، وبعضهم قال: آخر، أو كانت للشك لأنّ الساحر يكون لبيباً فطناً آتياً بما يعجز عنه كثير من الناس، والمجنون بالضدّ من ذلك.
فإن قيل: قوله تعالى ﴿إلا قالوا﴾ يدل على أنهم كلهم قالوا ذلك والأمر ليس كذلك، لأنّ ما من رسول إلا وآمن به قوم أجيب: بأنّ ذلك ليس بعام فإنه لم يقل إلا قالوا كلهم وإنما قال إلا قالوا ولما كان كثير منهم قائلين قال تعالى إلا ﴿إلا قالوا﴾.
(١١/٢٣٣)
---