(١/٤٦٣)
---
قالوا: بلى قال: «ألستم تعلمون أنّ عيسى حملته أمّه كما تحمل المرأة ثم وضعته كما تضع المرأة ولدها ثم غذي كما يغذى الصبيّ، ثم كان يطعم ويشرب ويحدث» قالوا: بلى قال: «وكيف يكون هذا كما زعمتم؟» فسكتوا فأنزل الله تعالى صدر سورة آل عمران إلى بضع وثمانين آية منها».
﴿نزل عليك﴾ يا محمد ﴿الكتاب﴾ أي: القرآن متلبساً ﴿بالحق﴾ أي: بالصدق في أخباره أو بالحجج المحققة أنه من عند الله وهو في موضع الحال أي: محقاً ﴿مصدّقاً لما بين يديه﴾ أي: قبله من الكتب.
فإن قيل: كيف سمي ما مضى بأنه بين يديه؟ أجيب: بأن تلك الأخبار لغاية ظهورها وكونها موجودة سماها بهذا الاسم ﴿وأنزل التوراة﴾ جملة على موسى عليه الصلاة والسلام ﴿والإنجيل﴾ جملة على عيسى عليه الصلاة والسلام.
﴿من قبل﴾ أي: قبل تنزيل القرآن، واختلف الناس في هذين اللفظين هل يدخلهما الاشتقاق والتصريف أو لا يدخلانهما لكونهما أعجميين فلا يناسب كونهما مشتقين، ورجح هذا الزمخشري وقال: قالوا لأنّ هذين اللفظين اسمان عبرانيان لهذين الكتابين الشريفين وقوله تعالى: ﴿هدى﴾ حال بمعنى هاديين من الضلالة ولم يثنه؛ لأنه مصدر ﴿للناس﴾ أي: على العموم إن قلنا: متعبدون بشرع من قبلنا وهو رأي وإلا فالمراد بالناس قومهما وإنما عبر في التوراة والإنجيل بأنزل وفي القرآن بنزل المقتضى للتكرير؛ لأنهما أنزلا دفعة واحدة بخلافه. وقيل: إن القرآن أنزل من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا جملة واحدة ومن سماء الدنيا منجماً في ثلاث وعشرين سنة فحيث عبر فيه بأنزل أريد الأول أو ينزل أريد الثاني.
(١/٤٦٤)
---