وأمّا قوله ﷺ «نور أنّى أراه» فقال الماوردي: الضمير في أراه عائد إلى الله تعالى ومعناه: إنه خالق النور المانع من رؤيته أي رؤية إحاطة كما مرّ إذ من المستحيل أن تكون ذات الله نوراً إذ النور من جملة الأجسام والله تعالى منزه عن ذلك فإن قيل: هلا قيل أفتمارونه على ما رأى بصيغة الماضي لأنهم إنما جادلوه حين أسري به فقالوا: صف لنا بيت المقدس وأخبرنا عن عيرنا في الطريق وغير ذلك مما جادلوه به وما الحكمة في إبرازه بصيغة المضارع أجيب: بأنّ التقدير أفتمارونه على ما يرى فكيف وهو قد رآه في السماء فماذا تقولون فيه.
والواو في قوله تعالى: ﴿ولقد رآه﴾ يحتمل أن تكون عاطفة ويحتمل أن تكون للحال أي: كيف تجادلونه فيما رآه وهو قد رآه ﴿نزلة أخرى﴾ على وجه لا شك فيه.
تنبيه: قوله تعالى: ﴿نزلة﴾ فعلة من النزول كجلسة من الجلوس فلا بدّ من نزول، واختلفوا في ذلك النزول. وفيه وجوه:
الأوّل: أنّ الضمير في رآه عائد إلى جبريل أي رأى جبريل نزلة أخرى أي رأى جبريل في صورته التي خلق عليها نازلاً من السماء مرّة أخرى وذلك أنه رآه في صورته مرتين مرة في الأرض ومرّة في السماء ﴿عند سدرة المنتهى﴾ قال الرازي: ويحتمل أن تكون النزلة لمحمد صلى الله عليه وسلم
الثاني: أن الضمير عائد إلى الله تعالى أي رأى الله نزلة أخرى، وهذا قول من قال في قوله تعالى: ﴿ما كذب الفؤاد ما رأى﴾ هو الله تعالى وقد قيل: إنّ النبي ﷺ رأى ربه بقلبه مرتين وعلى هذا ففي النزول وجهان: أحدهما: قول من يجوز على الله الحركة من غير تشبيه. وثانيهما: أنّ نزوله بمعنى القرب بالرحمة والفضل، الثالث: أن محمداً رأى الله تعالى نزلة أخرى والمراد من النزلة: ضدّها وهي العرجة كأنه قال: رآه عرجة أخرى قال ابن عباس: نزلة أخرى هو أنه كان للنبيّ ﷺ عرجات في تلك الليلة لمسألة التخفيف في الصلوات فيكون لكلّ عرجة نزلة فرأى ربه في بعضها.


الصفحة التالية
Icon