وبأنهم ما كانوا يعترفون بالآخرة على الوجه الذي وردت به الرسل فإن قيل: كيف قال: تسمية الأنثى ولم يقل تسمية الإناث أجيب بأن المراد بيان الجنس وهذا اللفظ أليق بهذا الموضع لمؤاخاة رؤوس الآي.
﴿وما﴾ أي: والحال أنهم ما ﴿لهم به﴾ أي: بما يقولون، وقيل: الضمير يعود إلى ما تقدّم من عدم قبول الشفاعة وقيل: يعود إلى الله تعالى أي ما لهم بالله تعالى ﴿من علم﴾ ثم بين تعالى الحامل لهم على ذلك بقوله تعالى: ﴿إن﴾ أي: ما ﴿يتبعون﴾ أي بغاية ما يكون من شهوة النفس في ذلك وغيره ﴿إلا الظن﴾ أي الذي يتخيلونه ﴿وإن﴾ أي: والحال أن ﴿الظن﴾ أي: مطلقاً في هذا وفي غيره، ولذلك أظهر في موضع الإضمار ﴿لا يغني﴾ أي إغناء مبتدأ ﴿من الحق﴾ أي: الأمر الثابت في نفس الأمر الذي هو حقيقة الشيء وذاته بحيث يكون الظن بدله والظن إنما يعتبر في العمليات لا في العلميات ولا سيما الأصولية ﴿شيئاً﴾ أي: من الإغناء عن أحد من الخلق فإنه لا يؤدّي أبداً إلى الجزم بالعلم بالشيء على ما هو عليه في نفس الأمر فهو ممنوع في أصول الدين، فإنّ المقصود فيها تحقيق الأمر على ما هو عليه في الواقع، وأما الفروع فإنّ المكلف به فيها هو الظن لكن بشرطه المأذون فيه وهو ردّه إلى الأصول المستنبط منها، لعجز الإنسان عن القطع في جميع الفروع تنبيهاً على عجزه وافتقاره إلى الله تعالى ليقبل عليه ويتبرأ من حوله وقوّته ليكشف له عن الحقائق.
ولما أن أصروا على الهوى بعد مجيء الهدى سبب عن ذلك قوله تعالى: ﴿فأعرض﴾ أي: يا أشرف الرسل ﴿عمن تولى﴾ أي: كلف نفسه خلاف ما يدعو إليه العقل والفطرة الأولى ﴿عن ذكرنا﴾ أي: القرآن الذي أنزلناه فلم يتله ولم يتدبر معانيه ﴿ولم يرد﴾ أي: في وقت من الأوقات ﴿إلا الحياة الدنيا﴾ أي الحاضرة لتقيده بالمحسوسات كالبهائم مع العمى عن دناءتها وحقارتها. قال الجلال المحلي: وهذا قبل الأمر بالجهاد.
(١١/٢٨٧)
---