﴿وأنّ إلى ربك﴾ أي: المحسن إليك لا إلى غيره ﴿المنتهى﴾ أي: الانتهاء برجوع الخلائق ومصيرهم إليه فيجازيهم بأعمالهم وقيل: منه ابتداء المنة وإليه انتهاء الآمال، وروى أبو هريرة مرفوعاً «تفكروا في الخلق ولا تتفكروا في الخالق فإنّ الله تعالى لا يحيط به الفكر» وفي رواية «لا تتفكروا في الله فإنكم لن تقدروا قدره» قال القرطبي: ومن هذا المعنى قوله ﷺ «يأتي الشيطان أحدكم فيقول من خلق كذا من خلق كذا حتى يقول له من خلق ربك فإذا بلغ ذلك فليستعذ بالله تعالى» ولقد أحسن من قال:
*ولا تفكرن في ذي العلا عز وجهه ** فإنك تردى إن فعلت وتخذل*
*ودونك مخلوقاته فاعتبر بها ** وقل مثل ما قال الخليل المبجل*
وقيل: المراد من الآية التوحيد وفي المخاطب وجهان: أحدهما: أنه عام تقديره إلى ربك أيها السامع أو العاقل والثاني: أنه خطاب مع النبيّ ﷺ فعلى الأول يكون تهديداً وعلى الثاني يكون تسلية لقلب النبيّ ﷺ فعلى الأول تكون اللام في المنتهى للعهد المعهود في القران وعلى الثاني تكون للعموم أي إلى ربك كل منتهى.
وقوله تعالى: ﴿وأنه هو﴾ أي: لا غيره ﴿أضحك وأبكى﴾ يدل على أنّ كل ما يعمله الإنسان فبقضاء الله تعالى وخلقه حتى الضحك والبكاء، وروي أنه ﷺ مر على قوم من أصحابه وهم يضحكون فقال ﷺ «لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً» فنزل عليه جبريل عليه السلام فقال يا محمد إنّ الله يقول لك: ﴿وأنه هو أضحك وأبكى﴾ أي: قضى أسبابهما فرجع إليهم ﷺ فقال ما خطوت أربعين خطوة حتى أتاني جبريل فقال: ائت هؤلاء فقل لهم إن الله تعالى يقول: ﴿هو أضحك وأبكى﴾ أي قضى أسباب الضحك والبكاء وقال بسام بن عبد الله أضحك أسنانهم وأبكى قلوبهم وأنشد يقول:
*السنّ تضحك والأحشاء تحترق ** وإنما ضحكها زور ومختلق*
(١١/٣٠٠)
---


الصفحة التالية
Icon