ودلّ على تناهي القباحة في مرتكبهم بتقديم الأخبار عن عذابهم، فقال تعالى مؤكداً توعداً لمن استمرّ على التكذيب ﴿إنا﴾ أي: بما لنا من العظمة ﴿أرسلنا عليهم حاصباً﴾ أي: ريحاً شديدة ترميهم بالحصباء، وهي صغار الحجارة الواحد دون ملء الكف فهلكوا ﴿إلا آل لوط﴾ وهم من آمن به، فكان إذا رأيته فكأنك رأيت لوطاً عليه السلام لما يلوح عليه من أفعاله، والمشي على منواله في أقواله وأفعاله ﴿نجيناهم﴾ أي: تنجية عظيمة ﴿بسحر﴾ أي: بآخر ليلة من الليالي، وهي الليلة التي عذب فيها قومه، «وانصرف» لأنه نكرة لأنا لا نعرف تلك الليلة بعينها، ولو قصد به وقت بعينه لمنع الصرف للتعريف، والعدل عن أل هذا هو المشهور، وزعم صدر الأفاضل: أنه مبني على الفتح كأمس مبنياً على الكسر.
تنبيه: قال الجلال المحلي: وهل أرسل الحاصب على آل لوط أو لا: قولان؛ وعبر عن الاستثناء على الأوّل بأنه متصل، وعلى الثاني بأنه منقطع، وإن كان من الجنس تسمحاً.
(١١/٣٢٩)
---
وقوله تعالى: ﴿نعمة﴾ أما مفعول له؛ وإمّا مصدر بفعل من لفظها أو من معنى نجيناهم لأن تنجيتهم، إنعام فالتأويل: إمّا في العامل، وإمّا في المصدر. وقوله تعالى: ﴿من عندنا﴾ متعلق بنعمة، أو بمحذوف صفة لها. ﴿كذلك﴾ أي: مثل هذا الإنجاء العظيم الذي جعلناه جزاء لهم ﴿نجزي من شكر﴾ أي: من آمن بالله تعالى، وأطاعه قال بعض المفسرين: وهو وعد لأمة محمد ﷺ بأنه يصونهم عن الهلاك العام؛ وقال الرازي: ويمكن أن يقال: هو وعد لهؤلاء بالثواب يوم القيامة كما أنجاهم في الدنيا من العذاب، لقوله تعالى: ﴿ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها وسنجزي الشاكرين﴾ (آل عمران: ١٤٥)
وقال مقاتل: من وحد الله تعالى لم يعذبه مع المشركين.