ثم خوّف كفار مكة فقال تعالى: ﴿أكفاركم﴾ أي: الراسخون منكم يا أهل مكة في الكفر الثابتون عليه، يا أيها المكذبون، لهذا النبيّ الكريم الساترون لشموس دينه ﴿خير﴾ في الدنيا بالقوة والكثرة، أو في الدين عند الله أو عند الناس ﴿من أولئكم﴾ أي: المذكورين من قوم نوح إلى فرعون الذين وعظناكم بهم في هذه السورة؟ وهذا استفهام بمعنى الإنكار أي ليسوا بأقوى منهم فمعناه نفي أي ليس كفاركم خيراً من كفار من تقدم من الأمم الذين أهلكوا بكفرهم.
تنبيه: قوله تعالى: ﴿خير﴾ مع أنّه لا خير فيهم إما أن يكون كقول حسان:
*فشر كما لخير كما الفداء*
(١١/٣٣٣)
---
أو هو بحسب زعمهم واعتقادهم؛ أو المراد بالخير شدّة القوّة؛ أو لأنّ كل ممكن فلا بدّ وأن يكون له صفات محمودة، فالمراد تلك الصفات ﴿أم لكم﴾ أي: يا أهل مكة ﴿براءة في الزبر﴾ أي: أنزل إليكم من الكتب السماوية أنّ من كفر منكم فهو في أمان من عذاب الله تعالى والاستفهام هنا أيضاً بمعنى النفي أي ليس الأمر كذلك.
﴿أم يقولون﴾ أي: كفار قريش ﴿نحن جميع﴾ أي جمع واحد مبالغ في اجتماعه فهو في الغاية من الضم فلا افتراق له ﴿منتصر﴾ أي على كل من يعاديه، لأنهم على قلب رجل واحد ولم يقل منتصرون لموافقة رؤوس الآي.
ولما قال أبو جهل يوم بدر: إنا جميع منتصر نزل ﴿سيهزم الجمع﴾ بأيسر أمر بوعد لا خلف فيه. وقال مقاتل: ضرب أبو جهل يوم بدر فرسه فتقدم من الصف وقال: نحن ننتصر اليوم على محمد وأصحابه فأنزل الله تعالى: ﴿أم يقولون نحن جميع منتصر﴾ وقال سعيد بن المسيب: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: لما نزلت ﴿سيهزم الجمع ويولون الدبر﴾، كنت لا أدري أي جمع يهزم فلما كان يوم بدر رأيت رسول الله ﷺ يثب في درعه ويقول: ﴿سيهزم الجمع ويولون الدبر﴾ فهزموا ببدر ونصر رسول الله ﷺ ولم يقل الأدبار لموافقة رؤوس الآي.
(١١/٣٣٤)
---


الصفحة التالية
Icon