تنبيه هذه الجمل من قوله تعالى: ﴿علم القرآن﴾ إلى هنا جيء بها من غير عاطف لأنها سيقت لتعديد نعمه؛ كقولك: فلان أحسن إلى فلان أكرمه أشاد ذكره رفع قدره؛ فلشدّة الوصل ترك العاطف؛ وهي أخبار مترادفة للرّحمن.
ولما ذكر تعالى خلق الإنسان وإنعامه عليه بتعليمه البيان ذكر نعمتين عظيمتين بقوله تعالى: ﴿الشمس﴾ وهي آية النهار ﴿والقمر﴾ وهي آية الليل ﴿بحسبان﴾ فإنهما على قانون واحد وحساب لا يتغيران وبذلك تتم منفعتهما للزراعات وغيرها ولولا الشمس والقمر لفات كثير من المنافع الظاهرة بخلاف غيرهما من الكواكب فإنّ نعمها لا تظهر لكل أحد مثل ظهور نعمتهما، وإنهما بحسبان لا يتغير أبدا، ولو كان سيرهما غير معلوم للخلق لما انتفعوا بالزراعات في أوقاتها ومعرفة فصول السنة، والمعنى يجريان بحسبان معلوم فأضمر الخبر. قال ابن عباس وقتادة وأبو مالك: يجريان بحسبان في منازل لا يعدوانها ولا يحيدان عنها. وقال أبو زيد وابن كيسان بهما تحسب الأوقات والأعمار، ولولا الليل والنهار والشمس والقمر لم يدر أحد كيف يحسب شيئاً إن كان الدهر كله ليلاً أو نهاراً. وقال السدي: بحسبان تقدير آجالهما أي: يجريان بآجال كآجال الناس، فإذا جاء أجلهما هلكا نظيره ﴿كل يجري إلى أجل مسمى﴾ (لقمان: ٢٩)
﴿والنجم﴾ أي: النبات الذي ينجم أي يطلع من الأرض ولا ساق له كالبقول ﴿والشجر﴾ أي: الذي له ساق كشجر الرمان وتقدم الجواب عن قوله تعالى: ﴿وأنبتنا عليه شجرة من يقطين﴾ (الصافات: ١٤٦)
في سورة الصافات ﴿يسجدان﴾ أي: ينقادان لله تعالى فيما يريده طبعاً انقياد الساجد من المكلفين طوعاً وقال الضحاك سجودهما سجود ظلالهما. وقال الفراء سجودهما أنهما يستقبلان إذا طلعت الشمس ثم يميلان معها حتى ينكسر الفيء، وقال الزجاج: سجودهما دوران الظل معهما كما قال تعالى: ﴿يتفيؤوا ظلاله﴾ (النحل: ٤٨)
(١١/٣٤٤)
---