وقال الرازي: وذكره بلفظ الخطاب على سبيل الالتفات، والمراد به التقرير والزجر وذكر لفظ الرب لأنه يشعر بالرحمة؛ قال: وكرّرت هذه اللفظة في هذه السورة نيفاً وثلاثين مرة: إما للتأكيد، ولا يعقل لخصوص العدد معنى. وقيل: الخطاب مع الأنس والجنّ والنعمة منحصرة في دفع المكروه، وتحصيل المقصود، وأعظم المكروهات: نار جهنم ولها سبعة أبواب، وأعظم المقاصد نعيم الجنة ولها ثمانية أبواب، فالمجموعة خمسة عشر وذلك بالنسبة للإنس والجنّ ثلاثون والزائد لبيان التأكيد. وروى جابر بن عبد الله قال: «قرأ علينا رسول الله ﷺ سورة الرحمن حتى ختمها، ثم قال ما لي أراكم سكوتاً للجنّ كانوا أحسن منكم ردّاً ما قرأت عليهم هذه الآية من مرّة ﴿فبأيّ آلاء ربكما تكذبان﴾ إلا قالوا ولا بشيء من نعمك ربنا نكذب، فلك الحمد» وقرأ ورش ﴿فبأيّ آلاء﴾ على أصله بالمدّ، والتوسط، والقصر جميع ما في هذه السورة.
ولما ذكر تعالى خلق العالم الكبير من السماء والأرض، وما فيهما من الدلالات على وحدانيته وقدرته ذكر خلق العالم الصغير فقال تعالى: ﴿خلق الإنسان﴾ أي: آدم عليه السلام ﴿من صلصال﴾ أي: من طين يابس له صلصلة أي صوت إذا نقر ﴿كالفخار﴾ أي كالخزف المصنوع المشوي بالنار، وقيل هو طين خلط برمل؛ وقيل: هو الطين المنتن من صل اللحم وأصل إذا أنتن.
تنبيه: قال تعالى: هنا.
من ﴿صلصال كالفخار﴾ وقال تعالى في الحجر: ﴿من حما مسنون﴾ وقال تعالى في الصافات: ﴿من طين لازب﴾ (الصافات: ١١)
وقال تعالى في آل عمران ﴿كمثل آدم خلقه من تراب﴾ (آل عمران: ٥٩)
(١١/٣٥١)
---