*وإن صخراً لتأتمّ الهداة به ** كأنه علم في رأسه نار*
أي: جبل فالسفن في البحر كالجبال في البرّ؛ وجمع الجواري. ووحد البحر وجمع الأعلام إشارة إلى عظمة البحر.
﴿فبأي آلاء﴾ أي: نعم ﴿ربكما﴾ العظمى التي عمت خلقه ﴿تكذبان﴾ أبتلك النعم من خلق موادّ السفن والإرشاد إلى أخذها وكيفية تركيبها وإجرائها في البحر وأسباب لا يقدر على خلقها وجمعها غيره أم غيرها؟.
وقوله تعالى: ﴿كل من عليها فان﴾ أي: هالك غلب فيه من يعقل على غيره وجميعهم مراد؛ والضمير في عليها للأرض قال بعضهم: وإن لم يجر لها ذكر كقوله تعالى: ﴿حتى توارت بالحجاب﴾ (ص: ٣٢)
ورد هذا بأنه قد تقدّم ذكرها في قوله تعالى: ﴿والأرض وضعها﴾ (الرحمن: ١٠)
وقيل: الضمير عائد إلى الجواري.
قال ابن عباس: لما نزلت هذه الآية قالت الملائكة: هلكت أهل الأرض فنزل: ﴿كل شيء هالك إلا وجهه﴾ فأيقنت الملائكة بالهلاك.
(١١/٣٥٧)
---
فإن قيل: الكلام في تعدّد النعم فأين النعمة في فناء الخلق؟ أجيب: بأنها التسوية بينهم في الموت والموت سبب للنقل إلى دار الجزاء والثواب.
﴿ويبقى﴾ أي: بعد فناء الكل بقاء مستمرّا إلى ما لا نهاية له ﴿وجه ربك﴾ أي: ذاته فالوجه عبارة عن وجود ذاته. قال ابن عباس: الوجه عبارة عنه.
فإن قيل كيف خاطب الاثنين بقوله: ﴿فبأي آلاء ربكما تكذبان﴾ وخاطب ههنا الواحد فقال: ﴿ويبقى وجه ربك﴾ ولم يقل وجه ربكما؟ أجيب: بأنّ الإشارة ههنا وقعت إلى كل أحد فقال: ويبقى وجه ربك أيها السامع ليعلم كل أحد أنّ غيره فان فلو قال: ويبقى وجه ربكما لكان كل أحد يخرج نفسه ورفيقه؛ المخاطب عن الفناء، فإن قيل: فلو قال: ويبقى وجه الرب من غير خطاب كان أدل على فناء الكل؛ أجيب: بأن كاف الخطاب في الرب إشارة إلى اللطف، والإبقاء إشارة إلى القهر والموضع موضع بيان اللطف وتعديد النعم، فلهذا قال: بلفظ الرب وكاف الخطاب