وقوله تعالى: ﴿وعبقريّ﴾ منسوب إلى عبقر تزعم العرب أنه اسم بلد الجنّ فينسبون إليه كل شيء عجب؛ قال في القاموس: عبقر موضع كثير الجنّ وقرية ثيابها في غاية الحسن، والعبقري الكامل من كل شيء؛ وقال الخليل: هو كلّ جليل نفيس فاخر من الرجال وغيرهم؛ وقال قطرب ليس هو من المنسوب بل هو بمنزلة كرسي وبختي ا. ه. والمراد به: الجنس، ولذلك قال تعالى: ﴿حسان﴾ حملاً على المعنى أي هي في غاية من كمال الصنعة وحسن المنظر لا توصف.
﴿فبأيّ آلاء﴾ أي: نعم ﴿ربكما﴾ المحسن الواحد الذي لا محسن غيره ولا إحسان إلا منه ﴿تكذبان﴾ أبشيء من هذه النعم أم بغيرها.
ولما دلّ ما ذكر في هذه السورة من النعم على إحاطة مبدعها بأوصاف الكمال وختم نعم الدنيا بقوله تعالى: ﴿ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام﴾ وفيه إشارة إلى أنّ الباقي هو الله تعالى وأنّ الدنيا فانية ختم نعيم الآخرة بقوله عز من قائل: ﴿تبارك﴾ قال ابن برّجان: تفاعل من البركة ولا يكاد يذكره جل ذكره إلا عند أمر معجب ا. ه. ومعناه ثبت ثباتاً لا تسع العقول وصفه.
ولما كان تعظيم الاسم أبلغ في تعظيم المسمى قال تعالى: ﴿اسم ربك﴾ أي: المحسن إليك بإنزال هذا القرآن الذي جبلك على متابعته فصرت مظهراً له وصار خلقاً لك فصار إحسانه إليك فوق الوصف؛ وقيل: لفظ اسم زائد وجرى عليه الجلال المحلي والأوّل أولى.
﴿ذي الجلال﴾ أي: العظمة الباهرة ﴿والإكرام﴾ قال القرطبي: كأنه يريد به الاسم الذي افتتح به السورة، فقال: ﴿الرحمن﴾ فافتتح بهذا الاسم فوصف خلق الإنسان والجنّ، وخلق السموات والأرض وصنعه؛ وأنه تعالى كل يوم هو في شان، ووصف تدبيره فيهم؛ ثم وصف يوم القيامة، وأهوالها، وصفة النار، ثم ختمها بصفة الجنان.
(١١/٣٨٨)
---