قيل: لما نزلت هذه الآية شق على أصحاب النبي ﷺ فنزلت ﴿ثلة من الأوّلين وثلة من الآخرين﴾ فقال النبيّ ﷺ «إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة بل نصف أهل الجنة وتقاسمونهم في النصف الثاني». رواه أبو هريرة رضي الله عنه. ذكره الماوردي وغيره ومعناه ثابت في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن مسعود وكأنه أراد أنها منسوخة؛ قال الرازي: وهذا في غاية الضعف لأنّ عدد أمة محمد ﷺ كان في ذلك الزمان بل إلى آخر الزمان بالنسبة إلى ما مضى في غاية القلة والمراد بالأولين الأنبياء وكبار أصحابهم وهم إذا اجتمعوا كانوا أكثر من السابقين من هذه الأمّة ولأنّ هذا خبر والخبر لا ينسخ، وقال الحسن: سابقوا من مضى أكثر من سابقينا فلذا قال تعالى: ﴿وقليل من الآخرين﴾ وقال في أصحاب اليمين: وهم سوى السابقين ﴿ثلة من الأولين وثلة من الآخرين﴾ ولذا قال ﷺ «إنى لأرجو أن تكون أمتي شطر أهل الجنة ثم تلا ﴿ثلة من الأولين وثلة من الآخرين﴾». وروى الطبراني: أنّ الثلة والقليل كلاهما من هذه الأمة فتكون الصحابة كلهم من هذه الثلة، وكذا من تبعهم بإحسان إلى رأس القرن الثالث وهم لا يحصيهم إلا الله تعالى؛ ومن المعلوم أنه تناقص الأمر بعد ذلك إلى أن صار السابق في الناس أقل من القليل لرجوع الإسلام إلى الحال التي بدأ عليها من الغربة، «بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء أي وهم الذين إذا فسد الناس صلحوا، كما فسر به النبيّ ﷺ ذلك، وقال أبو بكر: كلا الثلتين من أمة محمد ﷺ فمنهم من هو في أول أمته، ومنهم من هو في آخرها، وهو مثل قوله تعالى: ﴿فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات﴾ (فاطر: ٣٢)
وقيل: المراد بالأولين ﴿الذين آمنوا وعملوا الصالحات﴾ وبالآخرين ﴿ذرياتهم﴾ الملحقون بهم في قوله تعالى: ﴿وأتبعتهم ذريتهم بإيمان﴾ (الطور: ٢١)