تنبيه: في ترتيب سؤال المغفرة وما عطف عليها وسيلة على مجرّد الإيمان دليل على أنّ مجرّد الإيمان كاف في استحقاق المغفرة والإستعداد لأسبابها وأسباب ما عطف عليها وقوله تعالى: ﴿الصابرين﴾ أي: على الطاعة وعن المعصية وعلى البأساء والضرّاء نعت ﴿والصادقين﴾ أي: في إيمانهم وأقوالهم قال قتادة: هم قوم صدقت نياتهم واستقامت قلوبهم وألسنتهم فصدقوا في السرّ والعلانية ﴿والقانتين﴾ أي: المطيعين لله ﴿والمنفقين﴾ أي: المتصدّقين ﴿والمستغفرين بالأسحار﴾ أي: أواخر الليل كأن يقولوا: اللهمّ اغفر لنا خصت بالذكر؛ لأنها وقت الغفلة ولذة النوم، وفي هذا كما قال البيضاوي: حصر لمقامات السالك على أحسن الترتيب أي: الذكرى فإنّ معاملته مع الله إمّا توسل وإمّا طلب، والتوسل إمّا بالنفس وهو منعها عن الرذائل وحبسها على الفضائل والصبر يشملهما، وإمّا بالبدن وهو إمّا قولي وهو الصدق وإمّا فعلي وهو القنوت الذي هو ملازمة الطاعة، وإمّا بالمال وهو الإنفاق في سبيل الخير وإمّا الطلب فالاستغفار؛ لأنّ المغفرة أعظم المطالب بل الجامع لها انتهى.
وتوسيط الواو بين الصابرين وما بعده للدلالة على استقلال كل واحد منها وكما لهم فيها أو لتغاير الموصوفين بالصفات. وتخصيص الأسحار؛ لأن الدعاء فيها أقرب من الدعاء في غيرها إلى الإجابة؛ لأنّ العبادة حينئذٍ أشق والنفس أصفى والعقل أجمع لمعاني الألفاظ التي ينطق بها لا سيما للمتهجد قيل: إنهم كانوا يصلون إلى السحر ثم يستغفرون ويدعون، وعن الحسن كانوا يصلون في أوّل الليل حتى إذا كان السحر أخذوا في الدعاء والإستغفار فذا نهارهم وهذا ليلهم. وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنّ رسول الله ﷺ قال: «ينزل الله إلى سماء الدنيا ـ أي: أمره ـ كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الأخير فيقول: أنا الملك أنا الملك من ذا الذي يدعوني فأستجيب له من ذا الذي يسألني فأعطيه من ذا الذي يستغفرني فأغفر له».
(١/٤٨٢)
---


الصفحة التالية
Icon