تنبيه: من كرم هذا القرآن العظيم كونه من الملك الأعلى إلى خير الخلق بسفارة روح القدس، مشتملاً على أصول العلوم المهمة في إصلاح المعاش والمعاد وبلسان العرب الذين اتفقت علماء الفرق على أنّ لسانهم أفصح الألسن، وعلى وجه أعجز العرب كافة وبقية الخلق أجمعين واختلف في معنى قوله تعالى: ﴿في كتاب﴾ أي: مكتوب ﴿مكنون﴾ أي: مصون فالذي عليه الأكثر أنه المصحف سمي قرآنا لقرب الجوار على الاتساع ولأنّ النبي ﷺ «نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدوّ». أراد به المصحف وقوله تعالى: ﴿لا يمسه﴾ خبر بمعنى النهي ولو كان باقياً على خبرتيه لزم منه الخلف لأنّ غير المطهر يمسه وخبر الله تعالى لا يقع فيه خلف لأنّ المراد بقوله تعالى: ﴿إلا المطهرون﴾ لا المحدثون وهو قول عطاء وطاوس وسالم والقاسم وأكثر أهل العلم وبه قال مالك والشافعي رضى الله عنهما؛ وقال ابن عادل: والصحيح أنّ المراد بالكتاب: المصحف الذي بأيدينا لما روى مالك وغيره أن كتاب عمرو بن حزم «لا يمس القرآن إلا طاهر»، وقال ابن عمر قال النبيّ ﷺ «لا تمس القرآن إلا وأنت طاهر» وقالت أخت عمر لعمر عند إسلامه وقد دخل عليها ودعا بالمصحف ﴿لا يمسه إلا المطهرون﴾ فقام فاغتسل وأسلم، وعلى هذا قال قتادة وغيره معناه لا يمسه إلا المطهرون من الأحداث والأنجاس انتهى.
وقال ابن عباس: ﴿مكنون﴾ محفوظ عن الباطل والكتاب هنا كتاب في السماء، وقال جابر: هو اللوح المحفوظ، أي: لقوله تعالى: ﴿بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ﴾ (البروج: ٢١ ـ ٢٢)
(١١/٤٣٠)
---