** مبال في مبال مستطاب
قال القشيري: وهذه الدنيا المذمومة هي ما يشغل العبد عن الآخرة فكل ما يشغله عن الآخرة فهو الدنيا ا. ه. أي: وأما الطاعات وما يعين عليها فمن أمور الآخرة ثم ضرب الله للدنيا مثلاً بقوله تعالى: ﴿كمثل﴾ أي: هذا الذي ذكرته من أمرها يشبه مثل ﴿غيث﴾ أي: مطر حصل بعد جدب وسوء حال ﴿أعجب الكفار﴾ أي: الزراع الذين حصل منهم الحرث والبذر الذي يستره الحارث كما يستر الكافر حقيقة أنوار الإيمان بما يحصل منه من الجحد والطغيان ﴿نباته﴾ أي: نبات ذلك الغيث كما يعجب الكافر في الغالب بسط الدنيا له استدراجاً من الله تعالى: ﴿ثم يهيج﴾ أي: ييبس فيتم جفافه فيحين حصاده ﴿فتراه﴾ أي: عقب كل ذلك وبالقرب منه ﴿مصفراً﴾ أي: على حالة لا نموّ بعدها ﴿ثم﴾ أي: بعد تناهي الجفاف ﴿يكون﴾ أي: كونا كأنه مطبوع عليه ﴿حطاماً﴾ أي: فتاتاً يضمحل بالرياح.
ولما ذكر تعالى الظل الزائل ذكر أثره الثابت الدائم مقسماً له إلى قسمين فقال تعالى: ﴿وفي الآخرة عذاب شديد﴾ أي: على من آثر الدنيا وأخذها بغير حقها معرضاً عن ذكر الله تعالى وعن الآخرة هذا أحد القسمين، وأما القسم الآخر فهو: ما ذكره بقوله تعالى: ﴿ومغفرة﴾ أي: ولمن أقبل على الآخرة ورفض الدنيا ولم تشغله عن ذلك الله تعالى مغفرة ﴿من الله﴾ أي: الملك الأعظم ﴿ورضوان﴾ أي: في جنة عالية تفضلاً منه تعالى ورحمة، وقوله تعالى جل وعلا: ﴿وما الحياة الدنيا﴾ أي: لكونها تشغل بزينتها مع أنها زائلة ﴿إلا متاع الغرور﴾ أي: هو في نفسه غرور لا حقيقة له إلا ذلك لأنه لا يسر بقدر ما يضر تأكيد لما سبق، قال سعيد بن جبير: الدنيا متاع الغرور إذا ألهتك عن طلب الآخرة، فأما إذا دعتك إلى طلب رضوان الله وطلب الآخرة فنعم المتاع ونعم الوسيلة.
ثم أرشدهم الله تعالى إلى المسابقة إلى الخيرات لأنّ الدنيا خيال ومحال، والآخرة بقاء وكمال بقوله تعالى:
(١١/٤٧٢)
---


الصفحة التالية
Icon