فإن قيل: ما معنى قد في قوله تعالى: ﴿قد سمع﴾ أجيب: بأنّ معناها التوقع لأنّ رسول الله ﷺ والمجادلة كانا يتوقعان أن يسمع الله تعالى تجادلتها وشكواها وينزل في ذلك ما يفرّج عنها لصدقها في شكواها وقطع رجائها في كشف ما بها من غير الله إنّ الله تعالى يكشف كربتها ﴿والله﴾ أي: والحال أنّ الذي وسعت رحمته كلّ شيء، لأنّ له الأمر كله ﴿يسمع تحاوركما﴾ أي: تراجعكما الكلام وهو على تغليب الخطاب ﴿إن الله﴾ أي: الذي أحاط بجميع صفات الكمال ﴿سميع﴾ أي: بالغ السمع لكل مسموع ﴿بصير﴾ أي: بالغ البصر لكل ما يبصر فهما صفتان كالعلم والقدرة والحياة والإرادة وهما من صفات الذات لم يزل الخالق سبحانه متصفاً بهما
ولما أتم تعالى الخبر عن إحاطة العلم استأنف الإخبار عن حكم الأمر المجادل بسببه فقال تعالى: ﴿الذين يظهرون﴾ أي: يوجدون الظهار في أي زمان كان وقوله تعالى: ﴿منكم﴾ أي: أيها العرب المسلمون توبيخ لهم وتهجين لعادتهم لأنّ الظهار كان خاصاً بالعرب دون سائر الأمم فنبه تعالى على أنّ اللائق بهم أن يكونوا أبعد الناس عن هذا الكلام لأنّ الكذب لم يزل مستهجناً عندهم في الجاهلية ثم زاده الإسلام استهجاناً ﴿من نسائهم﴾ أي: يحرمون نساءهم على أنفسهم تحريم الله تعالى عليهم ظهور أمّهاتهم.
والظهار لغة: مأخوذ من الظهر لأنّ صورته الأصلية أن يقول لزوجته: أنت عليّ كظهر أمي، وخصوا الظهر دون البطن والفخذ وغيرهما لأنه موضع الركوب والمرأة مركوب الزوج.
وقيل: من العلو قال تعالى: ﴿فما اسطاعوا أن يظهروه﴾ (الكهف: ٩٧)
أي: أن يعلوه وكان طلاقاً في الجاهلية، وقيل: في أوّل الإسلام ويقال: كان في الجاهلية إذا كره أحدهم أمرأته أنه ولم يرد أن تتزوج بغيره آلى منها أو ظاهر فتبقى لا ذات زوج ولا خلية تنكح غيره؛ فغير الشارع حكمه إلى تحريمها بعد العود ولزوم الكفارة كما سيأتي.
(١١/٤٩٤)
---


الصفحة التالية
Icon