ولما حكم سبحانه هذا الحكم في الفيء المخالف لما كانوا عليه في الجاهلية من اختصاص الأغنياء به بين علته المظهرة لعظمته بقوله تعالى: ﴿كي لا يكون﴾ أي: الفيء الذي يسره الله تعالى بقوّته من قذف الرعب في قلوب أعدائه، ومن حقه أن يعطاه الفقراء ﴿دولة﴾ أي: متداولاً ﴿بين الأغنياء منكم﴾ أي: يتداوله الأغنياء ويدور بينهم كما كان في الجاهلية، فإنهم كانوا يقولون: من عزيز، ومنه قول الحسن: اتخذوا عباد الله خولاً، ومال الله دولاً، يريد: من غلب منهم أخذه واستأثر به. وقرأ هشام بخلاف عنه تكون بالتأنيث دولة بالرفع، والباقون بالتذكير والنصب، فأمّا الرفع فعلى أن كان تامّة، وأمّا التأنيث والتذكير فواضحان؛ لأنه تأنيث مجازي، وأما النصب فعلى إنها الناقصة واسمها ضمير عائد على الفيء. والتذكير واجب لتذكير المرفوع، ودولة خبرها، وقيل: دولة عائد على ما اعتباراً بلفظها، وكي لا هنا مقطوعة في الرسم
﴿وما آتاكم الرسول﴾ أي: وكل شيء أحضره لكم الكامل في الرسالة من الغنيمة، أو مال الفيء أو غيره ﴿فخذوه﴾ أي: فاقبلوه لأنه حلال لكم، وتمسكوا به فإنه واجب الطاعة ﴿وما نهاكم عنه﴾ أي: من جميع الأشياء ﴿فانتهوا﴾ لأنه لا ينطق عن الهوى، ولا يقول ولا يفعل إلا ما أمر ربه عز وجل.
(١٢/٤٩)
---


الصفحة التالية
Icon