فكان الإيثار فيهم أفضل من الإمساك، والإمساك لمن لا يصبر ويتعرض للمسألة أولى من الإيثار. كما روي «أنّ رجلاً جاء إلى النبيّ ﷺ بمثل البيضة من الذهب، فقال: هذه صدقة فرماه بها، وقال: يأتي أحدكم بجميع ما يملكه فيتصدق به ثم يقعد فيتكفف الناس» والإيثار بالنفس فوق الإيثار بالمال وإن عاد إلى النفس. ومن الأمثال: والجود بالنفس أعلى غاية الجود، وأفضل من الجود بالنفس الجود على حماية رسول الله ﷺ ففي الصحيح أن أبا طلحة ترس على رسول الله ﷺ يوم أحد، وكان النبيّ ﷺ يتطلع ليرى القوم فيقول له أبو طلحة: لا تشرف يا رسول الله لا يصيبونك نحري دون نحرك»، ووقى بيده رسول الله ﷺ فشلت. وقال حذيفة الدوري انطلقت يوم اليرموك أطلب ابن عم لي فإذا برجل يقول: آه، آه. فأشار إليّ ابن عمي أن انطلق إليه فإذا هو هشام بن العاصي فقلت أسقيك فأشار أن نعم فسمع آخر يقول آه آه فأشار هشام أن انطلق عليه فجئت إليه، فإذا هو قد مات فرجعت إلى هشام فإذا هو قد مات، فرجعت إلى ابن عمي فإذا هو قد مات.
وقال أبو يزيد البسطامي: ما غلبني أحد ما غلبني شاب من أهل بلخ قدم إلينا حاجاً، فقال لي: يا أبا يزيد ما حد الزهد عندكم، فقلت: إذا وجدنا أكلنا، وإذا فقدنا صبرنا، فقال: هكذا كلاب بلخ فقلت: وما حد الزهد عندكم، فقال: إذا فقدنا شكرنا وإذا وجدنا آثرنا.
(١٢/٥٨)
---