﴿كمثل الذين من قبلهم قريباً﴾ أي: بزمن قريب، وهم كما قال ابن عباس رضى الله تعالى عنهما: بنو قينقاع من أهل دينهم اليهود أظهروا بأساً شديداً عندما قصدهم النبيّ ﷺ في أثر غزوة بدر، فوعظهم وحذرهم بأس الله تعالى فقالوا: لا يغرنك يا محمد أنك لقيت قوماً أغماراً لا علم لهم بالحرب، فأصبت منهم أما والله لو قاتلتنا لعلمت أنا نحن الناس، ثم مكروا بامرأة من المسلمين فراودوها عن كشف وجهها فأبت، فعقدوا طرف ثوبها من تحت خمارها فلما قامت انكشف سوقها فصاحت، فغار لها شخص من الصحابة فقتل اليهودي الذي عقد ثوبها، فقتلوه فانتقض عهدهم فأنزل الله النبيّ ﷺ بساحتهم فأذلهم الله تعالى، ونزلوا من حصنهم على حكمه ﷺ وقد كانوا حلفاء ابن أبي، ولم يغن عنهم شيئاً غير أنه سأل النبيّ ﷺ في أن لا يقتلهم وألح عليه حتى كف عن قتلهم، فذهبوا عن المدينة الشريفة بأنفسهم من غير حشر لهم بالإلزام بالجلاء. ﴿ذاقوا وبال أمرهم﴾ أي: عقوبته في الدنيا من القتل وغيره ﴿ولهم عذاب أليم﴾ أي: مؤلم في الآخرة
مثلهم أيضاً في سماعهم من المنافقين وتخلفهم عنهم ﴿كمثل الشيطان﴾ أي: البعيد من كل خير لبعده من الله تعالى المحترق بعذابه، والشيطان هنا مثل المنافقين ﴿إذ قال للإنسان﴾ وهو هنا مثل اليهود ﴿اكفر﴾ أي: بالله بما زين له ووسوس إليه من اتباعه الشهوات القائم مقام الأمر
﴿فلما كفر﴾ أي: أوجد الإنسان الكفر على أيّ وجه. ودلت الفاء على إسراعه في متابعة تزيينه. ﴿قال﴾ أي: الشيطان الذي هو هنا عبارة عن المنافقين ﴿إني بريء منك﴾ أي: ليس بيني وبينك علاقة في شيء أصلاً ظناً منه أنّ هذه البراءة تنفعه شيئاً مما استوجبه المأمور بقبوله لآمره، وذلك مثل ضربه الله تعالى للمنافقين واليهود في انخذالهم وعدم الوفاء في نصرتهم.g
(١٢/٦٩)
---


الصفحة التالية
Icon