قال ابن عباس رضى الله تعالى عنهما: وكانت الرهبان بعد ذلك في بني إسرائيل لا يمشون إلا بالتقية والكتمان، وطمع أهل الفسوق في الأحبار، ورموهم بالبهتان حتى كان أمر جريج الراهب، فلما برأه الله تعالى مما رموه به انبسطت بعده الرهبان، وظهروا للناس وكانت قصة جريج ما روي عن أبي هريرة عن النبيّ ﷺ قال: «لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة: عيسى بن مريم، وصاحب جريج، وكان جريج رجلاً عابداً فاتخذ صومعة فكان فيها، فأتت أمه وهو يصلي فقالت: يا جريج، فقال رب أمي وصلاتي وأقبل على صلاته فانصرفت، فلما كان من الغد أتته، فقال: مثل مقالته الأولى فقالت اللهم لا تمته حتى ينظر في وجوه المومسات. فتذاكر بنو إسرائيل جريجاً وعبادته، وكانت امرأة بغي يتمثل بحسنها، فقالت: إن شئتم لأفتننه لكم، قال: فتعرضت له فلم يلتفت إليها فأتت راعياً كان يأوي إلى صومعته، فأمكنته من نفسها فوقع عليها فحملت، فلما ولدت قالت: هو من جريج فأتوه فاستنزلوه، وهدموا صومعته، وجعلوا يضربونه فقال: ما شأنكم؟ فقالوا: زنيت بهذه البغي فحلمت منك، فقال: أين الصبيّ فجاؤوا به، فقال: دعوه حتى أصلي فلما انصرف من صلاته أتى الصبيّ وطعن في بطنه، وقال: يا غلام من أبوك، فقال: فلان الراعي، قال: فأقبلوا على جريج يقبلونه ويتمسحون به، وقالوا: نبني لك صومعتك من ذهب، قال: لا أعيدوها من طين كما كانت ففعلوا. والثالث: كلم أمه وهي ترضعه في قصة مشهورة».
﴿يا أيها الذين آمنوا﴾ أي: أقروا بالإيمان باللسان ﴿اتقوا الله﴾ أي: اجعلوا لكم وقاية تقيكم سخط الملك الأعظم باتباع أوامره واجتناب نواهيه، واحذروا عقوبته بسبب التقصير فيما حدّه لكم من أمر أو نهي ﴿ولتنظر نفس ما قدّمت لغد﴾ أي: في يوم القيامة لأنّ هذه الدنيا كلها كيوم واحد يجيء فيه ناس ويذهب آخرون، والموت والآخرة لا بدّ من كل منهما، وكل ما لا بدّ منه فهو في غاية القرب، والعرب تكني عن المستقبل بالغد.
(١٢/٧٥)


الصفحة التالية
Icon