﴿لا يستوي﴾ أي: بوجه من الوجوه ﴿أصحاب النار﴾ أي: التي هي محل الشقاء الأعظم ﴿وأصحاب الجنة﴾ أي: التي هي دار النعيم الأكبر لا في الدنيا ولا في الآخرة، واستدل بهذه الآية على أنّ المسلم لا يقتل بالكافر ﴿أصحاب الجنة هم الفائزون﴾ أي: الناجون من كل مكروه المدركون لكل محبوب، وأصحاب النار هم الهالكون في الدارين كما وقع في هذه الغزوة لفريقي المؤمنين وبني النضير ومن والاهم من المنافقين فشتان ما بينهما.
﴿لو أنزلنا﴾ أي: بعظمتنا التي أبانها هذا الإنزال ﴿هذا القرآن﴾ أي: الجامع لجميع العلوم الفارق بين كل ملتبس المبين لجميع الحكم ﴿على جبل﴾ أي جبل كان، أو جبل فيه تمييز كالإنسان ﴿لرأيته﴾ يا أشرف الخلق وإن لم يتأهل غيرك لتلك الرؤية ﴿خاشعاً﴾ أي: متذللاً باكياً ﴿متصدّعاً﴾ أي: متشققاً غاية التشقق ﴿من خشية الله﴾ أي: من الخوف العظيم ممن له الكمال كله، وفي هذا حث على تأمّل مواعظ القرآن وتدبر آياته ﴿وتلك الأمثال﴾ أي: التي لا يضاهيها شيء ﴿نضربها للناس لعلهم يتفكرون﴾ فيؤمنون.
(١٢/٧٧)
---
والمعنى: أنا لو أنزلنا هذا القرآن على الجبل لخشع لوعده، وتصدع لوعيده، وأنتم أيها المشهورون بإعجازه لا ترغبون في وعده ولا ترهبون من وعيده، والغرض من هذا الكلام التنبيه على قساوة قلوب هؤلاء الكفار وغلظ طباعهم، ونظيره ﴿ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة﴾ (البقرة: ٧٤)
وقيل الخطاب للنبيّ ﷺ أي: لو أنزلنا هذا القرآن يا محمد على جبل لما ثبت وتصدّع من نزوله عليه، وقد أنزلناه عليك وثبتناك له فيكون ذلك امتناناً عليه أن ثبته لما لم تثبت له الجبال.
وقيل: إنه خطاب للأمة، والمعنى: لو أنذر بهذا القرآن الجبال لتصدّعت من خشية الله تعالى، والإنسان أقل قوة وأكثر ثباتاً فهو يقوم بحقه إن أطاع، ويقدر على ردّه إن عصى لأنه موعود بالثواب ومزجور بالعقاب.
(١٢/٧٨)
---