﴿قل﴾ لهم يا محمد ﴿إن تخفوا ما في صدوركم﴾ أي: قلوبكم من موالاة الكفار أو غيرها بما لا يرضى الله ﴿أو تبدوه﴾ أي: تظهروه ﴿يعلمه الله﴾ ويحفظه عليكم حتى يجازيكم به وقال الكلبيّ: إن تسرّوا ما في قلوبكم لرسول الله ﷺ من التكذيب أو تظهروه بحربه وقتاله يعلمه الله ﴿و﴾ هو الذي ﴿يعلم ما في السموات وما في الأرض﴾ لا يخفى عليه منه شيء قط فلا يخفى عليه سرّكم وعلانيتكم ﴿وا على كل شيء قدير﴾ فهو قادر على عقوبتكم إن لم تنتهوا عما نهيتم عنه وهذا بيان لقوله تعالى: ﴿ويحذركم الله نفسه﴾ لأنّ نفسه متصفة بعلم ذاتي يحيط بالمعلومات كلها وقدرة ذاتية تعمّ المقدورات بأسرها فلا تعصوه إذ ما من معصية إلا وهو مطلع عليها لا محالة قادر على العقاب بها ولو علم بعض عبيد السلطان أنه أراد الإطلاع على أحواله بأن يوكل من يتجسس عن مواطن أموره لأخذ حذره منه كل الحذر فما بال من علم أن العالم الذي يعلم السر وأخفى مهيمن عليه وهو آمن. اللهمّ إنا نعوذ بك من اغترارنا بسترك ونسألك اليقظة من سنة الغفلة.
(١/٤٩٧)
---
﴿يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً﴾ نصب يوم بمضمر نحو اذكر وقوله تعالى: ﴿وما عملت﴾ أي: عملته ﴿من سوء﴾ مبتدأ خبره ﴿تودّ لو أنّ بينها﴾ أي: النفس ﴿وبينه﴾ أي: السوء ﴿أمداً بعيداً﴾ أي: غاية في نهاية البعد فلا يصل إليها، وكرّر سبحانه وتعالى: ﴿ويحذركم الله نفسه﴾، قال البيضاوي: للتأكيد والتذكير وقال التفتازاني: الأحسن ما قيل أنّ ذكره أوّلاً للمنع من موالاة الكافرين وثانياً للحث على عمل الخير والمنع من عمل الشرّ وقوله تعالى: ﴿وا رؤف بالعباد﴾ إشارة إلى أنه تعالى: إنما نهاهم وحذرهم رأفة بهم ومراعاة إصلاحهم. وعن الحسن من رأفته بهم أن حذرهم نفسه. وقرأ أبو عمرو وشعبة وحمزة والكسائي رؤوف بقصر الهمزة والباقون بالمدّ وورش على أصله في المدّ والتوسط والقصر ونزل في اليهود والنصارى حيث قالوا: نحن أبناء الله وأحباؤه.


الصفحة التالية
Icon