قال القرطبي: الآية نص في الأمر بالاقتداء بإبراهيم عليه الصلاة والسلام في فعله، وذلك يدل على أن شرع من قبلنا شرع لنا فيما أخبر الله ورسوله، وقيل: إنه شرع لنا إذا ورد في شرعنا ما يقرره، وقيل: ليس بشرع لنا مطلقاً وهو الأصح عندنا ﴿إذ﴾ أي: حين ﴿قالوا﴾ وقد كان من آمن به أقل منكم وأضعف ﴿لقومهم﴾ أي: الكفرة وقد كانوا أكثر من عدوّكم وأقوى، وكان لهم فيهم أرحام وقرابات، ولهم فيهم رجاء بالقيام والمحاولات ﴿أنا براء﴾ أي: متبرؤن تبرئة عظيمة ﴿منكم﴾ وإن كنتم أقرب الناس إلينا، ولا ناصر لنا منهم غيركم ﴿ومما تعبدون﴾ أي: توجدون عبادته في وقت من الأوقات ﴿من دون الله﴾ أي: الملك الأعظم ﴿كفرنا بكم﴾ أي: جحدناكم وأنكرنا دينكم ﴿وبدا﴾ أي: ظهر ظهوراً عظيماً ﴿بيننا وبينكم العداوة﴾ وهي المباينة في الأفعال بأن يعدو كل أحد على الآخر ﴿والبغضاء﴾ وهي المباينة بالقلوب للبغض العظيم.
ولما كان ذلك قد يكون سريع الزوال قالوا: ﴿أبداً﴾ أي: على الدوام. وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو في الوصل بإبدال الهمزة الثانية المفتوحة بعد المضمومة واواً خالصة، والباقون بتحقيقها وهم على مراتبهم في المدّ، وإذا وقف حمزة وهشام أبدلا الهمزة ألفاً مع المدّ والتوسط والقصر، ولهما أيضاً التسهيل مع المدّ والقصر والروم معهما. ولما كان ذلك مؤيساً من صلاح الحال، وقد يكون لحظ النفس بينوا غايته بقولهم: ﴿حتى تؤمنوا بالله﴾ أي: الملك الذي له الكمال كله ﴿وحده﴾ أي: تكونوا مكذبين بكل ما يعبد من دون الله تعالى، وقوله تعالى: ﴿إلا قول إبراهيم لأبيه﴾ فيه أوجه:
أحدها: إنه استثناء متصل من قوله تعالى في إبراهيم، ولكن لا بدّ من حذف مضاف ليصح الكلام، تقديره في مقالات إبراهيم: إلا قوله كيت وكيت.
(١٢/٩١)
---


الصفحة التالية
Icon