---
﴿إذا جاءك﴾ يا أيها الرسول المبشر بك في التوراة والإنجيل، وقرأ حمزة وابن ذكوان بالإمالة والباقون بالفتح، وإذا وقف حمزة سهل الهمزة مع المد والقصر، وله أيضاً إبدالها ألفاً مع المد والقصر﴿المنافقون﴾ أي: الغريقون في وصف النفاق، وهم عبد الله بن أبي ابن سلول وأصحابه ﴿قالوا﴾ مؤكدين لأجل استشعارهم بتكذيب من يسمعهم لما عندهم من الارتياب ﴿نشهد﴾ قال الحسن: هو بمنزلة اليمين كأنهم قالوا نقسم ﴿إنك لرسول الله﴾ أي: الملك الذي له الإحاطة الكاملة فوافقوا الحق بظاهر أحوالهم، وخالفوا بقلوبهم وأفعالهم. وقوله تعالى: ﴿والله يعلم﴾ أي: وعلمه هو العلم في الحقيقة، وأكد سبحانه بحسب إنكار المنافقين فقال تعالى: ﴿إنك لرسوله﴾ سواء أشهد المنافقون بذلك أم لا فالشهادة حق ممن يطابق لسانه قلبه جملة معترضة بين قولهم: ﴿نشهد إنك لرسول الله﴾ وبين قوله تعالى: ﴿والله يشهد﴾ لفائدة.
قال الزمخشري: لو قال قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يشهد انهم لكاذبون، لكان يوهم أن قولهم هذا كذب فوسط بينهما قوله تعالى: ﴿والله يعلم إنك لرسوله﴾ ليميط هذا الإيهام ﴿والله﴾ أي: المحيط بجميع صفات الكمال ﴿يشهد﴾ شهادة هي الشهادة لأنها محيطة بدقائق الظاهر والباطن ﴿إن المنافقين﴾ أي: الراسخين في وصف النفاق ﴿لكاذبون﴾ أي: في إخبارهم عن أنفسهم إنهم يشهدون، لأن قلوبهم لا تطابق ألسنتهم فهم لا يعتقدون ذلك، ومن شرط قول الحق أن يتصل ظاهره بباطنه وسره بعلانيته، ومتى تخالف ذلك فهو كذب ألا ترى أنهم كانوا يقولون بألسنتهم نشهد إنك لرسول الله وسماه الله تعالى كذباً لأن قولهم خالف اعتقادهم.
(١٢/١٥٨)
---


الصفحة التالية
Icon