قال ابن عباس: كان ابن أبيّ جسيماً صحيحاً فصيحاً ذلق اللسان، وقوم من المنافقين في مثل صفته وهم رؤساء المدينة، وكانوا يحضرون مجلس النبيّ ﷺ ويستندون فيه، ولهم جهارة المناظر وفصاحة الألسن، وكان النبيّ ﷺ ومن حضر يعجبون بهياكلهم ﴿وإن يقولوا﴾ أي: يوجد منهم قول في وقت من الأوقات ﴿تسمع لقولهم﴾ أي: لفصاحته فيلذذ السمع ويروق الفكر ﴿كأنهم﴾ أي: في حسن ظواهرهم وسوء بواطنهم، وفي عدم الانتفاع بهم في شيء ﴿خشب﴾ جمع كثرة لخشبة، وهو دليل على كثرتهم ﴿مسندة﴾ أي: قطعت من مغارسها ممالة إلى الجدار. وقرأ أبو عمرو والكسائي بسكون الشين، والباقون بضمها ﴿يحسبون﴾ أي: لضعف عقولهم وكثرة ارتيابهم لكثرة ما يباشرون من سوء أعمالهم ﴿كل صيحة﴾ أي: من نداء مناد في إنشاد ضالة، أو انفلات دابة، أو نحو ذلك واقعة ﴿عليهم﴾ وضارّة لهم لجبنهم وهلعهم لما في قلوبهم من الرعب أن ينزل فيهم ما يبيح دماءهم. ومنه أخذ الأخطل:
*مازلت تحسب كل شيء بعدهم ** خيلا تكرّ عليهم ورجالاً*
ومنه قول الآخر:
*كأنّ بلاد الله وهي عريضة ** على الخائف المطلوب كفة حابل*
*يخال إليه أنّ كل ثنية ** تيممها ترمي إليه بقاتل*
﴿هم العدوّ﴾ أي: الكامل العداوة بما دل عليه الأخبار بالمفرد الذي يقع على الجمع، إشارة إلى إنهم في شدّة عداوتهم للإسلام وأهله، وكمال قصدهم وشدّة سعيهم فيه على قلب رجل واحد، وإن أظهروا التودّد في الكلام، والتقرّب به إلى أهل الإسلام فإنّ ألسنتهم معكم إذا لقوكم، وقلوبهم عليكم مع أعدائكم فهم عيون لهم عليكم ﴿فاحذرهم﴾ لأنّ أعدى عدوّك من يعاشرك وتحت ضلوعه الداء لكنه يكون بلطف الله دائم الخذلان منكوساً في أكثر تقلباته بيد القهر والحرمان لسرّ قوله تعالى: ﴿قاتلهم الله﴾ أي: أحلهم الملك المحيط قدرة وعلماً محل من يقاتله عدوّ قاهر له أشدّ مقاتلة على عادة الفعل الذي يكون بين اثنين.
(١٢/١٦٤)
---


الصفحة التالية
Icon