قال البقاعي: وما درى الأجلاف أنهم لو فعلوا ذلك أتاح الله تعالى غيرهم للإنفاق، أو أمر رسول الله ﷺ فدعا في الشيء اليسير فصار كثيراً، أو كان بحيث لا ينفد، أو أعطى كلاً يسيراً من طعام على كيفية لا ينفد معها كتمر أبي هريرة، وشعير عائشة، وعكة أمّ أيمن وغير ذلك كما روى غير مرّة، ولكن ﴿من يضلل الله فما له من هاد﴾ (الزمر: ٢٣)
ولذلك عبر في الردّ عليهم بقوله تعالى: ﴿ولله﴾ أي: قالوا ذلك واستمرّوا على تجديد قوله، والحال أنّ الملك الذي لا أمر لغيره ﴿خزائن السموات﴾ أي: كلها ﴿والأرض﴾ كذلك من الأشياء المعدومة الداخلة تحت مقدوره، ﴿إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون﴾ (يس: ٨٢)
ومن الأشياء التي أوجدها فهو يعطي من يشاء منها، حتى مما في أيديهم لا يقدر أحد على منع شيء من ذلك لا مما في يده ولا مما في يده غيره.
ونبه على سوء غباوتهم وأنهم تقيدوا بالوهم حتى سفلوا عن رتبة البهائم كما قال بعضهم: إن كان محمد صادقاً فنحن شرّ من البهائم بقوله تعالى: ﴿ولكن المنافقين﴾ أي: العريقين في وصف النفاق ﴿لا يفقهون﴾ أي: يتجدّد لهم فهم أصلاً كالبهائم بل هم أضل، لأنّ البهائم إذا رأت شيئاً ينفعها يوماً في مكان طلبته مرة أخرى، وهؤلاء رأوا غير مرّة ما أخرج الله تعالى من خوارق البركات على يد رسوله ﷺ فلم ينفعهم ذلك، ودل على عدم نفعهم بقوله تعالى:
(١٢/١٦٧)
---