ثم رغب في الإنفاق بقوله تعالى: ﴿إن تقرضوا الله﴾ أي: الملك الأعلى ذا الغنى المطلق الحائز لجميع صفات الكمال ﴿قرضاً حسناً﴾ والقرض الحسن هو التصدق من الحلال مع طيب النفس ومع الإخلاص والمبادرة ﴿يضاعفه لكم﴾ أي: لأجلكم خاصة أقل ما يكون بالواحد عشراً إلى ما لا يتناهى على حسب النيات.
قال القشيري: يتوجه الخطاب بهذا على الأغنياء في بذل أموالهم، وعلى الفقراء في إخلاء أيامهم وأوقاتهم من مروآتهم وإيثار مراد الحق على مراد أنفسهم، فالغني يقال له آثر حكمي على مرادك في مالك وغيره، والفقير يقال له: آثر حكمي في نفسك وقلبك ووقتك.
ولما كان الإنسان لما له من النقصان وإن اجتهد لا يبلغ جميع ما أمر به لأن الدين وإن كان يسيراً فهو متين لن يشاده أحد إلا غلبه قال تعالى: ﴿ويغفر لكم﴾ أي: يوقع الغفران وهو محو ما فرط عينه وأثره ﴿والله﴾ أي: الذي لا تقاس عظمته بشيء ﴿شكور﴾ أي: بليغ الشكر لمن يعطي لأجله، ولو كان قليلاً فيثيبه ثواباً جزيلاً خارجاً عن الحصر، وهو ناظر إلى المضاعفة ﴿حليم﴾ فلا يعجل بالعقوبة على ذنب من الذنوب، وإن عظم بل يمهل طويلاً ليتذكر العبد الإحسان مع العصيان فيتوب، ولا يهمل ولا يغتر بحلمه فإن غضب الحليم لا يطاق، وهو راجع إلى الغفران.
﴿عالم الغيب﴾ وهو ما غاب عن الخلق كلهم فيشمل ما هو داخل القلب مما تؤثره الجبلة، ولا علم لصاحب القلب به فضلاً عن غيره ﴿والشهادة﴾ وهو كل ما ظهر وكان بحيث يعلمه الخلق، وهذا الوصف داع إلى الإحسان من حيث إنه موجب للمؤمن ترك ظاهر الإثم وباطنه، وكل قصور وفتور وغفلة وتهاون فيعبد الله تعالى كأنه يراه ﴿العزيز﴾ أي: الذي يغلب كل شيء ولا يغلبه شيء ﴿الحكيم﴾ أي: بالغ الحكمة التي يعجز عن إدراكها الخلائق.
وقال ابن الأنباري: الحكيم: هو المحكم لخلق الأشياء، فصرف عن مفعل إلى فعيل، ومنه قوله تعالى: ﴿الم تلك آيات الكتاب الحكيم﴾ (لقمان: ١ ـ ٢)
(١٢/١٩٥)
---


الصفحة التالية
Icon