قال الزمخشري: فإن قلت: هل يقع الطلاق المخالف للسنة؟ قلت: نعم وهو آثم لما روي عن النبي ﷺ «أن رجلاً طلق امرأته ثلاثاً بين يديه فقال: أتلعبون بكتاب الله وأنا بين أظهركم» وفي حديث ابن عمر أنه قال: يا رسول الله أرأيت لو طلقتها ثلاثاً فقال له: قال: «إذاً عصيت وبانت منك امرأتك».
وعن عمر رضي الله عنه أنه كان لايؤتى برجل طلق امرأته ثلاثاً إلا أوجعه ضرباً، وأجاز ذلك عليه. وعن سعيد بن المسيب وجماعة من التابعين أن من خالف السنة في الطلاق فأوقعه في حيض أو ثلاث لم يقع، وشبهوه بمن وكل غيره بطلاق السنة فخالف.
فإن قيل: قوله تعالى: ﴿إذا طلقتم النساء﴾ عام يتناول المدخول بهن وغير المدخول بهن من ذوات الأقراء والآيسات والصغائر والحوامل، فكيف صح تخصيصه بذوات الأقراء المدخول بهن؟.
أجيب: بأنه لا عموم ثم ولا خصوص، ولكن النساء اسم جنس للإناث من الإنس، وهذه الجنسية معنى قائم في كلهن وفي بعضهن فجاز أن يراد بالنساء هذا وذلك، فلما قيل: ﴿فطلقوهن لعدتهن﴾ علم أنه أطلق على بعضهن وهن المدخول بهن من المعتدات بالحيض.
ولما حدّ سبحانه مايفعل في العدة أتبعه مايفعل عند انقضائها بقوله تعالى: ﴿فإذا بلغن﴾ أي: المطلقات ﴿أجلهن﴾ أي: شارفن انقضاء العدة مشارفة عظيمة ﴿فأمسكوهن﴾ أي: بالمراجعة وهذا يدل على أن الأولى من الطلاق مادون البائن لا سيما الثلاث ﴿بمعروف﴾ أي: حسن عشرة لا لقصد المضارة بطلاق آخر لأجل إيجاد عدة أخرى، أو غير ذلك. ﴿أو فارقوهن﴾ بعدم المراجعة لتتم العدة فتملك نفسها ﴿بمعروف﴾ أي: بإيفاء الحق مع حسن الكلام وكل أمر حسنه الشرع، فلا يقصد أذاها بتفريقها عن ولدها مثلاً، أو عنه إن كانت عاشقة له لقصد الأذى فقط من غير مصلحة، وكذلك ما أشبه ذلك من أنواع الضرر بالفعل والقول فقد تضمنت الآية بإفصاحها الحث على فعل الخيرات وبإفهامها اجتناب المنكرات.
(١٢/٢٠٣)
---


الصفحة التالية
Icon