وقوله تعالى: ﴿أسكنوهن﴾ راجع لما قبله وهي المطلقة الرجعية ﴿فإن أرضعن لكم﴾ أي: بعد انقضاء علقة النكاح ﴿فآتوهن أجورهن﴾ أي: على ذلك الإرضاع وللرجل أن يستأجر امرأته للرضاع كما يستأجر أجنبية، ولا يجوز عند أبي حنيفة وأصحابه الاستئجار إذا كان الولد منهن ما لم تبن، ويجوز عند الشافعي مطلقاً وقوله تعالى: ﴿وائتمروا﴾ خطاب للأزواج والزوجات، أي: ليأمر بعضكم بعضاً في الإرضاع والأجر فيه وغير ذلك، وليقبل بعضكم أمر بعض.
وقال الكسائي: ائتمروا تشاوروا، وتلا قوله تعالى: ﴿إن الملأ يأتمرون بك﴾ (القصص: ٢٠)
(١٢/٢١٥)
---
وأنشد قول امرىء القيس:
*ويعدو على المرء ما يأتمر
وزادهم رغبة في ذلك بقوله تعالى: ﴿بينكم﴾ أي: إن هذا الخير لا يعدوكم، وأكد ذلك بقوله تعالى: ﴿بمعروف﴾ ونكره سبحانه تخفيفاً على الأمة بالرضى بالمستطاع، وهو يكون مع الأخلاق بالاتصاف، ومع النفس بالخلاف ﴿وإن تعاسرتم﴾ أي: طلب كل منكم ما يعسر على الآخر، كأن طلبت المرأة الأجرة وطلب الزوج إرضاعها مجاناً ﴿فسترضع له﴾ أي: الأب ﴿أخرى﴾ أي: مرضعة غير الأم ويغني الله تعالى عنها، وليس له أن يكرهها على ذلك، نعم إذا لم يقبل ثدي غيرها أو لم يوجد غيرها أجبرت على ذلك بالأجرة، وهذا الحكم لا يختص بالمطلقة بل المنكوحة كذلك.
واختلفوا فيمن يجب عليه رضاع الولد، فقال مالك: رضاع الولد على الزوجة مادامت الزوجية إلا لشرفها وموضعها فعلى الأب رضاعه حينئذٍ في ماله، وقال أبو حنيفة: لا يجب على الأم بحال، وقيل: يجب عليها بكل حال. ولو طلبت الأم أجرة المثل وهناك أجنبية ترضع بدون أجرة المثل، أو متبرعة تخير الأب بينهما ولا يضيق على الأب بدفع الأجرة لأنه ﷺ ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما مالم يكن إثماً أو قطيعة رحم. وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي بالإمالة محضة، وقرأ ورش بين بين، والباقون بالفتح.


الصفحة التالية
Icon