﴿فاعترفوا﴾ أي: بالغوا في الاعتراف حيث لا ينفعهم الاعتراف ﴿بذنبهم﴾ أي: في دار الجزاء كما بالغوا في التكذيب في دار العمل، والذنب لم يجمع لأنه في الأصل مصدر والمراد به تكذيب الرسل ﴿فسحقاً﴾ أي: فبعداً لهم من رحمة الله تعالى وهو دعاء عليهم مستجاب ﴿لأصحاب السعير﴾ أي: الذين قضت عليهم أعمالهم بملازمتها، وقال سعيد بن جبير وأبو صالح: هو واد في جهنم يقال: له السحق، وقرأ الكسائي بضم الحاء والباقون بسكونها.
(١٣/٤٥)
---
ولما ذكر أصحاب السعير أتبعهم ذكر أضدادهم بقوله تعالى: ﴿إن الذين يخشون﴾ أي: يخافون ﴿ربهم﴾ أي: المحسن إليهم خوفاّ أرق قلوبهم وأرق أعينهم بحيث لا يقر لهم قرار من توقعهم العقوبة كلما ازدادوا طاعة ازدادوا خشية ﴿يؤتون ما آتو وقلوبهم وجلة﴾ (المؤمنون: ٦٠). ﴿بالغيب﴾ أي: حال كونهم غائبين عن عذابه سبحانه، أو وعيده غائباً عنهم أو وهم غائبون عن أعين الناس فهم مع الناس يتكلمون وقلوبهم تتلظى بنيران الخوف وتتكلم بسيوف الهيبة فيتركون المعصية حيث لا يراهم أحد من الناس ولا يكون لهم هذا إلا برياضة عظيمة، فعلى العاقل أن يطوع نفسه لترجع مطمئنة بأن ترضى بالله رباً لتدخل في رق العبودية، وبالإسلام ديناً ليصير غريقاً فيها، فلا ينازع الملك في ردائه الكبرياء وإزاره العظمة وتاجه الجلال وحلته الجمال، ولا ينازعه فيما يدبره من الشرائع ويظهره من المعارف ويحكم به على عبيده من قضائه وقدره. ﴿لهم مغفرة﴾ أي: عظيمة تأتي على جميع ذنوبهم ﴿وأجر﴾ أي: من فضل الله تعالى ﴿كبير﴾ يكون لهم به من الإكرام ما ينسيهم ما قاسوه في الدنيا من شدائد الإيلام ويصغر في جنبه لذائذ الدنيا العظام.
(١٣/٤٦)
---


الصفحة التالية
Icon