والرابع: أنهم خوطبوا بذلك على اعتقادهم فإن القوم كانوا مجسمة مشبهة وأنه في السماء، وأن الرحمة والعذاب نازلان منه، وكانوا يدعونه من جهتها فقيل لهم على حسب اعتقادهم: ﴿أأمنتم من في السماء﴾ أي: من تزعمون أنه في السماء. قال الرازي: هذه الآية لا يمكن إجراؤها على ظاهرها بإجماع المسلمين، لأنّ ذلك يقتضي إحاطة السماء به من جميع الجوانب فيكون أصغر منها والعرش أكبر من السماء بكثير فيكون حقيراً بالنسبة إلى العرش وهو باطل بالاتفاق، ولأنه تعالى قال: ﴿قل لمن ما في السموات والأرض﴾ (الأنعام: ١٢) فلو كان فيها لكان مالكاً لنفسه، فالمعنى: أما من في السماء عذابه، وإما إن ذلك بحسب ما كانت العرب تعتقده، وأما من في السماء سلطانه وملكه وقدرته كما قال تعالى: ﴿وهو الله في السموات وفي الأرض﴾ (الأنعام: ٣) فإن الشيء الواحد لا يكون دفعة في مكانين، والغرض من ذكر السماء تفخيم سلطان الله سبحانه وتعظيم قدرته، والمراد الملك الموكل بالعذاب وهو جبريل عليه السلام.
فائدة: حكى قتادة عن أبي الخلدان: الأرض أربعة وعشرون ألف فرسخ، للسودان اثنا عشر ألف، وللروم ثمانية آلاف، وللفرس ثلاثة آلاف، وللعرب ألف.
ثم ذكرهم تعالى بأنه سهلها لإخراج البركات بقوله تعالى: ﴿وكلوا﴾ ودل على أن الرزق فوق الكفاية بقوله تعالى: ﴿من رزقه﴾ الذي أودعه لكم فيها، قال الحسن: مما أحل لكم، وقيل: مما خلقه الله لكم رزقاً في الأرض ﴿وإليه﴾ أي: وحده ﴿النشور﴾ وهو إخراج جميع الحيوانات التي أكلتها الأرض وأفسدتها يخرجها سبحانه في الوقت الذي يريده على ما كان كل منها عليه عند الموت كما أخرج تلك الأرزاق، لا فرق بين هذا وذاك غير أنكم لا تتأملون، فيا فوز من شكر ويا هلاك من كفر، فعوّدوا أنفسكم بالخيرات لعلها تنقاد كما قيل:
* ** هي النفس ما عودتها تتعود*
(١٣/٥٢)
---