ثم نادوا على أنفسهم بالويل بأن ﴿قالوا﴾ منادين لما شغلهم قربه منهم وملازمته لهم عن كل شيء ﴿يا ويلنا﴾ أي: هذا وقت حضورك أيها الويل إيانا ومنادمتك لنا، فإنه لا نديم لنا الآن غيرك، والويل الهلاك والإشراف عليه ﴿إنا كنا﴾ أي: جبلة وطبعاً ﴿طاغين﴾ أي: عاصين بمنع حق الفقراء وترك الاستثناء. وقال ابن كيسان: طاغين نعم الله فلم نشكرها كما شكرها آباؤنا من قبل.
ثم رجعوا إلى أنفسهم فقالوا ﴿عسى ربنا﴾ أي: الذي أحسن إلينا بتربية هذه الجنة وإهلاك ثمرها الآن تأديباً لنا ﴿أن يبدلنا﴾ من جنتنا شيئاً ﴿خيراً منها﴾ يقيم لنا أمر معايشنا فتنقلب أحوالنا هذه التي نحن فيها من الهموم والبذاذة بسرور ولذاذة، وقرأ نافع وأبو عمرو بفتح الباء الموحدة وتشديد الدال والباقون بسكون الموحدة وتخفيف الدال ﴿إنا إلى ربنا﴾ أي: المحسن إلينا والمربي لنا بالإيجاد، ثم الإبقاء خاصة لا إلى غيره ﴿راغبون﴾ أي: ثابتة رغبتنا ورجاؤنا الخير والإكرام. وقد قيل: إن الله تعالى قبل رجوعهم وأخلف عليهم فأبدلهم جنة يقال لها الحيوان، كان القطف الواحد منها يحمله وحده من كبره البغل، رواه البغوي عن ابن مسعود، وقال أبو خالد اليماني: دخلت تلك الجنة فرأيت كل عنقود منها كالرجل الأسود القائم، وقال الحسن: قول أهل الجنة ﴿إنا إلى ربنا راغبون﴾ لا أدري إيماناً كان ذلك منهم أو على حدّ ما يكون من المشركين إذا أصابتهم الشدة فتوقف في كونهم مؤمنين، وسئل قتادة عن أصحاب الجنة أهم من أهل الجنة أم من أهل النار؟ قال: لقد كلفتني تعباً، والأكثرون يقولون: إنهم تابوا وأخلصوا حكاه القشيري.
ولما كان المقام لترهيب من ركن إلى ماله واحتقر الضعفاء من عباد الله تعالى ولم يجلهم بجلاله طوى ذكر ما أنعم به عليهم وذكر ما يخوفهم، فقال تعالى مرهباً:
(١٣/٩١)
---