ولما كانت الرسل كالفرد الواحد لاتفاقهم وتعاضدهم في الدعاء إلى الله تعالى والحمل على طاعته قال مسبباً عن مجيئهم بذلك موحداً في اللفظ ما هو صالح لكثير بإرادة الجنس: ﴿فعصوا﴾ أي: خالفوا ﴿رسول ربهم﴾ أي: خالفت كل أمة من أرسله المحسن إليها بإبداعها من العدم وإبداعها القوى وترزيقها وبعث رسولها لإرشادها اغتراراً بإحسانه، ولم يجوزوا أن المحسن يقدر على الضر كما قدر على النفع لأنه الضار كما أنه النافع فللتنبيه على مثل ذلك لا يجوز فصل أحد الاسمين عن الآخر، وسبب عن العصيان قوله تعالى: ﴿فأخذهم﴾ أي: ربهم، أخذ قهر وغضب ﴿أخذة﴾ لم تبق من أمة منهم أحداً ممن كذب الرسول فلم يكن كمن ينصر على عدو من المؤمنين لابدّ أن يفوته كثير منهم وإن اجتهد في الطلب، وما ذاك إلا لتمام علمه سبحانه بالجزئيات والكليات وشمول قدرته وتلك الأخذة مع كونها بهذه العظمة من أنها أخذتهم كنفس واحدة جعلها سبحانه ﴿رابية﴾ أي: عالية عليهم زائدة في الشدة على غيرها وعلى عذاب الأمم، يقال: ربا الشيء يربو إذا زاد. ومنه: الربا إذا أخذ في الذهب والفضة أكثر مما أعطى، والمعنى أنها كانت زائدة في الشدة على عقوبات سائر الكفار، كما أن أفعالهم كانت زائدة في القبح على أفعال سائر الكفار، وقيل لأن عقوبة آل فرعون متعلقة بعذاب الآخرة لقوله تعالى: ﴿اغرقوا فأدخلوا ناراً﴾ (نوح: ٢٥)
وعقوبة الآخرة أشد من عقوبة الدنيا فتلك العقوبة كانت كأنها تنمو وتربو.
(١٣/١١٠)
---


الصفحة التالية
Icon