﴿لا تخفى منكم﴾ أي: في ذلك اليوم على أحد بوجه من الوجوه، وقرأ حمزة والكسائي بالياء التحتية؛ لأن التأنيث مجازي والباقون بالتاء وهو ظاهر، ﴿خافية﴾ أي: من السرائر التي كان من حقها أن تخفى في دار الدنيا، فإنه عالم بكل شيء من أعمالكم. ونظيرة قوله تعالى: ﴿لا يخفى على الله منهم شيء﴾ (غافر: ١٦)
. قال الرازي: والعرض للمبالغة في التهديد يعني تعرضون على من لا تخفى عليه خافية، قال القرطبي: هذا هو العرض على الله تعالى ودليله ﴿وعرضوا على ربك صفاً﴾ (الكهف: ٤٨)
وليس ذلك عرضاً ليعلم ما لم يكن عالماً به، بل ذلك العرض عبارة عن المحاسبة والمساءلة وتقرير الأعمال عليهم للمجازاة قال ﷺ «يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات، فأما عرضتان فجدال ومعاذير، وأما الثالثة فعند ذلك تطير الصحف في الأيدي فآخذ بيمينه وآخذ بشماله».
(١٣/١١٨)
---
قال تعالى: ﴿فأما من أوتي كتابه بيمينه﴾ أي: الذي أثبتت فيه أعماله ﴿فيقول﴾ لما رأى من سعادته تبجعاً بحاله وإظهاراً لنعمة ربه؛ لأن الإنسان مطبوع على أن يظهر ما آتاه الله تعالى من خير تكميلاً للذته قيل: إنه تكتب سيئاته في باطن صحيفته وحسناته في ظاهرها فيقرأ الباطن ويقرأ الناس الظاهر، فإذا أنهاه قيل له: قد غفرها الله تعالى اقلب الصحيفة، فحينئذ يكون قوله: ﴿هاؤم اقرؤوا﴾ أي: خذوا اقرؤوا ﴿كتابيه﴾ يقول ذلك ثقة بالإسلام وسروراً بنجاته؛ لأن اليمين عند العرب من دلائل الفرح قال الشاعر:
*إذا ما راية رفعت لمجد ** تلقاها عرابة باليمين*


الصفحة التالية
Icon