والذي يدل على هذا ما رواه الترمذي ـ وقال: إسناده حسن ـ عن عبد الله بن عمر أن رسول الله ﷺ قال: «لو أن رصاصة مثل هذه وأشار إلى مثل الجمجمة أرسلت من السماء إلى الأرض وهي مسيرة خمسمائة سنة لبلغت الأرض قبل الليل ولو أنها أرسلت من رأس السلسلة لسارت أربعين خريفاً الليل والنهار قبل أن تبلغ أصلها وقعرها». وعن كعب رضي الله عنه أنه قال: «لو جمع حديد الدنيا ما وزن حلقة منها». أجارنا الله تعالى ومحبينا منها وجميع المسلمين، فأشار سبحانه إلى ضيقها على ما تحيط به من بدنه بتعبيره بالسلك فقال تعالى: ﴿فاسلكوه﴾ أي: أدخلوه بحيث يكون كأنه السلك، أي: الحبل الذي يدخل في ثقب الخرزة بعسر لضيق ذلك الثقب إما بإحاطتها بعنقه أو بجميع بدنه بأنه تلف، قال الزمخشري: والمعنى في تقديم السلسلة على السلك مثله في تقديم الجحيم على التصلية، أي: لا تسلكوه إلا في هذه السلسلة كأنها أفظع من سائر مواضع الإرهاق في الجحيم، ومعنى ثم الدلالة على تفاوت ما بين الغل والتصلية وما بينهما وبين السلك في السلسلة لا على تراخى المدة ا. ه.
ولما ذكر سبحانه على الإجمال عقابه أتبعه أسبابه فقال تعالى:
(١٣/١٢٥)
---
﴿إنه كان﴾ أي: جبلة وطبعاً وأن أظهر شيئاً يلبس به على الضعفاء ويدلس على الأغبياء ﴿لا يؤمن﴾ أي: الآن ولا في مستقبل الزمان ﴿بالله﴾ أي: الملك الأعلى الذي يعلم السر وأخفى ﴿العظيم﴾ أي: الكامل العظم، وهذا تعليل على طريق الاستئناف وهو أبلغ كأنه قيل: ماله يعذب هذا العذاب الشديد؟ أجيب بذلك وفي قوله تعالى: ﴿ولا يحض﴾ أي: يحث ﴿على﴾ بذل ﴿طعام المسكين﴾ دليلان قويان على عظم الجرم في حرمان المسكين: أحدهما: عطفه على الكفر وجعله قرينة له. والثاني: ذكر الحض دون الفعل ليعلم أن تارك الحض بهذه المنزلة فكيف بتارك الفعل، وما أحسن قول القائل:
*إذا نزل الأضياف كان عذوّرا ** على الحيّ حتى تستقل مراجله*
(١٣/١٢٦)
---


الصفحة التالية
Icon