وروي عنه أن تفسيره ما بعده وهو قوله تعالى: ﴿إذا مسه﴾ أي: أدنى مس ﴿الشر﴾ أي: هذا الجنس، وهو ما تطاير شرره من الضرر ﴿جزوعاً﴾ أي: عظيم الجزع وهو ضد الصبر بحيث يكاد صاحبه ينقدّ نصفين ويتفتت ﴿وإذا مسه﴾ كذلك ﴿الخير﴾ هذا الجنس وهو ما يلائمه فيجمعه من السعة في المال وغيره من أنواع الرزق ﴿منوعاً﴾ أي: مبالغاً في الإمساك عما يلزمه من الحقوق للانهماك في حب العاجل وقصور النظر عليه وقوفاً مع المحسوس لغلبة الجمود والبلادة، وهذا الوصف ضد الإيمان لأنه نصفان شكر وصبر.
(١٣/١٤٠)
---
فإن قيل: حاصل هذا الكلام أنه نفور عن المضارّ طالب للراحة، وهذا هو اللائق بالعقل فلم ذمه الله تعالى عليه؟ أجيب: بأنه إنما ذمه عليه لقصور نظره على الأمور العاجلة، والواجب عليه أن يكون شاكراً راضياً في كل حال.
وقوله تعالى: ﴿إلا المصلين﴾ استثناء للموصوفين بالصفات الآتية من المطبوعين على الأحوال المذكورة قبل مضادّة تلك الصفات لها من حيث إنها دالة على الاستغراق في طاعة الحق، والإشفاق على الخلق، والإيمان بالجزاء، والخوف من العقوبة، وكسر الشهوة، وإيثار العاجل على الآجل، وتلك ناشئة عن الانهماك في حب العاجل وقصور النظر عليها ﴿الذين هم﴾ أي: بكلية ضمائرهم وظواهرهم ﴿على صلاتهم﴾ أي: التي هي معظم دينهم وهي النافعة لهم لا لغيرهم بما أفادته الإضافة، والمراد الجنس الشامل لجميع الأنواع إلا أن معظم المقصود الفرض، ولذلك عبر بالاسم الدال على الثبات في قوله تعالى: ﴿دائمون﴾ أي: لا فتور لهم عنها ولا انفكاك لهم منها، وقال عقبة بن عامر: هم الذين إذا صلوا لم يلتفتوا يميناً ولا شمالاً، والدائم: الساكن، ومنه نهي عن البول في الماء الدائم، أي: الساكن. وقال ابن جريج والحسن: هم الذين يكثرون فعل التطوع منها.
فإن قيل: كيف قال تعالى: ﴿على صلاتهم دائمون﴾ وقال تعالى في موضع آخر: ﴿على صلواتهم يحافظون﴾ (الأنعام: ٩٢)


الصفحة التالية
Icon