﴿فما للذين كفروا﴾ وقف أبو عمرو على الألف بعد الميم والكسائي يقف على الألف وعلى اللام، ووقف الباقون على اللام، وأما الابتداء فالجميع يبتدؤون أوّل الكلمة أي: أيّ شيء من السعادات للذين ستروا مرائي عقولهم عن الإقرار بمضمون هذا الكلام الذي هو أوضح من الشمس حال كونهم ﴿قبلك﴾ أي: نحوك أيها الرسول الكريم وفيما أقبل عليك ﴿مهطعين﴾ أي: مسرعين مع مد الأعناق وإدامة النظر إليك في غاية العجب من مقالك، هيئة من يسعى إلى أمر لا حياة له بدونه ﴿عن﴾ أي: متجاوزين إليك مكاناً عن جهة ﴿اليمين﴾ أي: منك حيث يتيمنون به ﴿وعن الشمال﴾ أي: منك وإن كانوا يتشاءمون به، وقوله تعالى: ﴿عزين﴾ حال من الذين كفروا، وقيل: من الضمير في مهطعين فتكون حالاً متداخلة، أي: جماعات جماعات وحلقاً حلقاً متفرقين فرقاً شتى أفواجاً لا يتمهلون ليأتوا جميعاً. جمع عزة وأصلها عزوة لأنّ كل فرقة تعتزي إلى غير ما تعتزي إليه الأخرى فهم متفرقون قال الكميت:
*ونحن وجندل باغ تركنا ** كتائب جندل شتى عزينا*
وجمع عزة جمع سلامة شذوذاً.
(١٣/١٤٦)
---
وقيل: كان المستهزؤون خمسة أرهط روي أنّ المشركين كانوا يجتمعون حول النبيّ ﷺ يستمعون كلامه ويستهزؤون به ويكذبونه ويقولون: إن دخل هؤلاء الجنة كما يقول محمد فندخلها قبلهم، فردّ الله تعالى عليهم بقوله عز من قائل: ﴿أيطمع﴾ أي: هؤلاء البعداء البغضاء، وعبر بالطمع إشارة إلى أنهم بلغوا الغاية في السفه لكونهم طلبوا أعز الأشياء من غير سبب تعاطوه له.
ولما كان إتيانهم على هيئة التفرق من غير انتظار جماعة لجماعة قال تعالى: ﴿كل امرئ منهم﴾ أي: على انفراده ﴿أن يدخل﴾ أي: وهو كافر من غير إيمان يزكيه كما يدخل المسلم، فيستوي المسيء والمحسن ﴿جنة نعيم﴾ أي: لا شيء فيها عير النعيم.