ثالثها: قال القرطبي: قد أنكر جماعة من كفرة الأطباء والفلاسفة الجنّ، وقالوا: إنهم بسائط ولا يصح طعامهم اجتراء على الله تعالى والقرآن والسنة يردّان عليهم، وليس في المخلوقات بسيط بل مركب مزدوج، إنما الواحد الواحد سبحانه وغيره مركب ليس بواحد، وليس بممتنع أن يراهم النبيّ ﷺ في صورهم كما يرى الملائكة، وأكثر ما يتصوّرون لنا في صور الحيات.
ثم عطفوا على قولهم إنا سمعنا ﴿وأنه﴾ أي: الشأن العظيم قال الجنّ ﴿تعالى﴾ أي: انتهى في العلوّ إلى حدّ لا يستطاع ﴿جدّ﴾ أي: عظمة وسلطان وكمال غنى ﴿ربنا﴾ يقال: جدّ الرجل إذا عظم ومنه قول أنس كان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران جدّ فينا أي عظم قدره. وقال السدي: جدّ ربنا أي أمر ربنا. وقال الحسن: غني ربنا. ومنه قيل: الحظ جدّ، ورجل مجدود، أي: محظوظ. وفي الحديث: «ولا ينفع ذا الجدّ منك الجدّ». قال أبو عبيد والخليل: أي ذا الغنى منك الغنى إنما تنفعه الطاعة. وقال ابن عباس: قدرة ربنا. وقال الضحاك: فعله. وقال القرطبي: آلاؤه ونعماؤه على خلقه. وقال الأخفش: علا ملكُ ربنا، والأولى جميع هذه المعاني، وقرأ ﴿وأنه تعالى جدّ ربنا﴾ وما بعده إلى قوله تعالى: ﴿وأنا منا المسلمون﴾ وهي اثنا عشر موضعاً ابن عامر وحفص وحمزة والكسائي بفتح الهمزة في الجميع والباقون بالكسر.
(١٣/١٧٧)
---


الصفحة التالية
Icon