قال الجن: ﴿وأنا لمسنا السماء﴾ أي: زمن استراق السمع منها. قال الكلبي: السماء الدنيا أي: التمسنا أخبارها على ما كان من عادتنا من استماع ما تغوي به الإنس، واللمس المس فاستعير للطلب؛ لأن الماس طالب متعرّف، والمعنى طلبنا بلوغ السماء واستماع كلام أهلها ﴿فوجدناها﴾ في وجد وجهان:
أظهرهما أنها متعدية لواحد لأنّ معناها أصبنا وصادفنا، وعلى هذا فالجملة من قولهم ﴿ملئت﴾ في موضع نصب على الحال على إضمار قد.
والثاني: أنها متعدّية لاثنين فتكون الجملة في موضع المفعول الثاني ويكون ﴿حرساً﴾ منصوباً على التمييز، نحو: امتلأ الإناء ماء، والحرس اسم جمع لحارس نحو: خدم لخادم، وهم الملائكة الذين يرجمونهم بالشهب ويمنعونهم من الاستماع ويجمع تكسيراً على أحراس، والحارس الحافظ الرقيب، والمصدر الحراسة و ﴿شديداً﴾ صفة لحرس على اللفظ، ولو جاء على المعنى لقيل شداداً بالجمع لأن المعنى ملئت ملائكة شداداً كقولك: السلف الصالح، يعني الصالحين. قال القرطبيّ: ويجوز أن يكون حرساً مصدراً على معنى حرست حراسة شديدة ﴿وشهباً﴾ جمع شهاب ككتاب وكتب وهو انقضاض الكواكب المحرقة لهم المانع لهم عن استراق السمع.
﴿وأنا كنا﴾ أي: فيما مضى ﴿نقعد منها﴾ أي: السماء ﴿مقاعد﴾ أي: كثيرة قد علمناها لا حرس فيها صالحة ﴿للسمع﴾ أي: أن نسمع منها بعض ما تتكلم به الملائكة مما أمروا بتدبيره، وقد جاء في الخبر أنّ صفة قعودهم هو أن يكون الواحد منهم فوق الآخر حتى يصلوا إلى السماء، فكانوا يسترقون الكلمة فيلقونها إلى الكهان فيزيدُنَّ معها الكذب. ﴿فمن يستمع الآن﴾ أي: في هذا الوقت وفيما يستقبل لا أنهم أرادوا وقت قولهم فقط ﴿يجد له﴾ أي: لأجله ﴿شهاباً﴾ أي: شعلة من نار ساطعة تحرقه ﴿رصداً﴾ أي: أرصد به ليرمى به.
(١٣/١٨١)
---


الصفحة التالية
Icon