﴿فمن حاجك﴾ أي: جادلك من النصارى ﴿فيه﴾ أي: عيسى ﴿من بعد ما جاءك من العلم﴾ أي: من البينات الموجبة للعلم بأنّ عيسى عبد الله ورسوله ﴿فقل﴾ لهم ﴿تعالوا﴾ أي: هلموا بالرأي والعزم ﴿ندع﴾ جزم في جواب الأمر وعلامة جزمه سقوط الواو ﴿أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم﴾ أي: ليدع كل منا ومنكم نفسه وأعزة أهله وإنما قدّمهم على النفس؛ لأنّ الرجل يخاطر بنفسه لأجلهم ويحارب دونهم فنجمعهم ﴿ثم نبتهل﴾ أي: نتضرع في الدعاء ونبالغ فيه ﴿فنجعل لعنت الله على الكاذبين﴾ بأن نقول: اللهم إلعن الكاذب بأمر عيسى، فلما قرأ رسول الله ﷺ هذه الآية على وفد نجران ودعاهم إلى المباهلة قالوا: حتى نرجع وننظر في أمرنا ثم نأتيك غداً، فخلا بعضهم ببعض وقالوا للعاقب وكان ذا رأيهم: يا عبد المسيح ما ترى؟ فقال: والله لقد عرفتم يا معشر النصارى أنّ محمداً نبيّ مرسل ولقد جاءكم بالفصل من أمر صاحبكم والله ما بأهل قوم نبياً قط فعاش كبيرهم ولا نبت صغيرهم ولئن فعلتم لنهلكنّ، فإن أبيتم إلا الإقامة على دينكم وعلى ما أنتم عليه من القول في صاحبكم فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم، فأتوا رسول الله ﷺ وقد غدا محتضناً للحسين آخذاً بيد الحسن وفاطمة تمشي خلفه وعليّ خلفها رضي الله عنها وهو ﷺ يقول لهم: «إذا أنا دعوت فأمنوا» فقال أسقف نجران ـ وهو اسم سرياني لرئيس النصارى وعاملهم وهو غير العاقب : يا معشر النصارى إني لأرى وجوهاً لو سألوا الله تعالى أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله، فلا تباهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة، فقالوا: يا أبا القاسم رأيت أن لا نباهلك وأن نقرّك على دينك ونثبت على ديننا، فقال رسول الله ﷺ «فإن أبيتم المباهلة فأسلموا يكن لكم ما للمسلمين وعليكم ما عليهم» فأبوا فقال: «إني أنابذكم» فقالوا: ما لنا بحرب العرب طاقة ولكن نصالحك على


الصفحة التالية
Icon