وأمّا الثانية فجمع لبدة بالكسر نحو قربة وقرب واللبدة واللبدة الشيء الملبد أي المتراكب بعضه على بعض ومنه لبدة الأسد كقول زهير:
*لدى أسد شاكي السلاح مقذف ** له لبد أظفاره لم تقلم*
ومنه اللبد لتلبد بعضه فوق بعض.
ولما قال كفار قريش للنبيّ ﷺ إنك جئت بأمر عظيم وقد عاديت الناس كلهم فارجع عن هذا فنحن نجيرك ﴿قال﴾ ﷺ مجيباً لهم ﴿إنما أدعو ربي﴾ أي: الذي أوجدني ورباني ولا نعمة عندي إلا منه وحده لا أدعو غيره حتى تعجبوا مني ﴿ولا أشرك به﴾ أي: الآن ولا في مستقبل الزمان بوجه من الوجوه ﴿أحداً﴾ من ودّ وسواع ويغوث ويعوق وغيرها من الصامت والناطق، وقرأ عاصم وحمزة قل بصيغة الأمر التفاتاً، أي: قل يا محمد والباقون قال بصيغة الماضي والخبر إخباراً عن عبد الله وهو محمد ﷺ قال الجحدري: وهو في المصحف كذلك وقد تقدّم لذلك نظائر في ﴿قل سبحان ربي﴾ (الإسراء: ٩٣)
في آخر الإسراء وكذا في أوّل الأنبياء وآخرها وآخر المؤمنين.
﴿قل﴾ أي: يا أشرف الخلق لهؤلاء الذين خالفوك ﴿إني لا أملك لكم﴾ أي: الآن ولا بعده بنفسي من غير إقدار الله تعالى لي ﴿ضراً ولا رشداً﴾ أي: لا أقدر أن أدفع عنكم ضراً ولا أسوق إليكم خيراً، وقيل: لا أملك لكم ضراً أي كفراً ولا رشداً أي هدى؛ لأنه لا يؤثر شيء من الأشياء إلا الله تعالى، وإنما عليّ البلاغ. وقيل: الضر الموت والرشد الحياة.
﴿قل﴾ أي: لهؤلاء ﴿إني﴾ وزاد في التأكيد لأنّ ذلك في غاية الاستقرار في النفوس فقال: ﴿لن يجيرني﴾ أي: فيدفع عني ما يدفع المجير عن جاره ﴿من الله﴾ أي: الذي له الأمر كله ولا أمر لأحد معه ﴿أحد﴾ أي: كائن من كان إن أرادني سبحانه بسوء ﴿ولن أجد﴾ أي: أصلاً ﴿من دونه﴾ أي: الله تعالى ﴿ملتحداً﴾ أي: معدلاً وموضع ميل وركون ومدخلاً وملتجأ وحيلة وإن اجتهدت كل الجهد، والملتحد الملجأ وأصله المدخل من اللحد وقيل: محيصاً ومعدلاً.
(١٣/١٩٢)
---