﴿ومن يعص الله﴾ أي: الذي له العظمة كلها ﴿ورسوله﴾ الذي ختم به النبوّة والرسالة، فجعل رسالته محيطة بجميع الملل في التوحيد وغيره على سبيل الحجر ﴿فإن له﴾ أي: خاصة ﴿نار جهنم﴾ أي: التي تلقاه بالعبوسة والغيظ، وقوله تعالى: ﴿خالدين فيها أبداً﴾ حال مقدّرة من الهاء في له. والمعنى: مقدّر خلودهم والعامل الاستقرار الذي تعلق به هذا الجار وحمل على معنى من فعل ذلك، فوحد أوّلاً للفظ وجمع للمعنى. وأكد بقوله تعالى: ﴿فيها﴾ ردًّا على من يدعي الانقطاع. قال البقاعي: وأمّا من يدعي أنها لا تحرق وأنّ عذابها عذوبة فليس أحد أجنّ منه إلا من تابعه على ضلاله وغيه ومحاله، وليس لهم دواء إلا السيف في الدنيا والعذاب في الآخرة بما سموه عذوبة وهم صائرون إليه وموقوفون عليه.
وحتى في قوله تعالى: ﴿حتى إذا رأوا﴾ ابتدائية فيها معنى الغاية لمقدر قبلها أي لا يزالون على كفرهم إلى أن يروا ﴿ما يوعدون﴾ من العذاب في الآخرة أو في الدنيا كوقعة بدر ﴿فسيعلمون﴾ أي: في ذلك اليوم بوعد لا خلف فيه ﴿من أضعف ناصراً﴾ أي: من جهة الناصر أنا وإن كنت في هذا الوقت وحيداً مستضعفاً أو هم ﴿وأقل عدداً﴾ وإن كانوا الآن بحيث لا يحصيهم عدداً إلا الله تعالى، فيالله ما أعظم كلام الرسل حيث يستضعفون أنفسهم ويذكرون قوّتهم من جهة مولاهم الذي بيده الملك، وله جنود السموات والأرض بخلاف الجبابرة، فإنهم لا كلام لهم إلا في تعظيم أنفسهم وازدراء غيرهم.
قال مقاتل: لما سمعوا قوله تعالى: ﴿حتى إذا رأوا ما يوعدون فسيعلمون من أضعف ناصراً وأقل عدداً﴾ قال النضر بن الحارث: متى يكون هذا الذي توّعدنا به، قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم
(١٣/١٩٤)
---