ومن تمسك بهذه الآية عاش حرًّا كريماً ومات خالصاً شريفاً ولقي الله تعالى عبداً صافياً مختاراً تقياً، ومن شرط الموحد أن يتوجه إلى الواحد ويقبل عليه ويبذل له نفسه ويفوّض إليه أمره ويترك التدبير ويثق به ويركن إليه ويتذلل لربوبيته ويتواضع لعظمته.
(١٣/٢١٥)
---
﴿واصبر على ما يقولون﴾ أي: المخالفون المفهومون من الوكالة من الأذى والسب والاستهزاء، ولا تجزع من قولهم ولا تمتنع من دعواهم وفوّض أمرهم إليّ، فإني إذا كنت وكيلاً لك أقوم بإصلاح أمرك أحسن من قيامك بأمور نفسك ﴿واهجرهم﴾ أي: أعرض عنهم ﴿هجراً جميلاً﴾ أي: لا تتعرّض لهم ولا تشتغل بمكافأتهم، فإنّ ذلك ترك للدعاء إلى الله تعالى، وكان هذا قبل الأمر بالقتال، فإنه ﷺ منع في أوّل الإسلام من قتال الكفار وأمر هو وأصحابه بالصبر على أذاهم بقوله تعالى: ﴿لتبلونّ في أموالكم﴾ (آل عمران: ١٨٦)
الآية، ثم أمر به إذا ابتدؤوا بقوله تعالى: ﴿وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم﴾ (البقرة: ١٩٠)
ثم أبيح له ابتداؤه في غير الأشهر الحرم، ثم أمر به مطلقاً من غير تقييد بشرط ولا زمان بقوله تعالى: ﴿واقتلوهم حيث ثقفتموهم﴾ (البقرة: ١٩١)
(١٣/٢١٦)
---
﴿وذرني﴾ أي: اتركني ﴿والمكذبين﴾ أي: لا تحتاج إلى الظفر بمرادك ومشتهاك إلا أن تخلي بيني وبينهم بأن تكل أمرهم إليّ وتستكفينيه، فإن فيّ ما يفرغ بالك، ويجلي همك وليس ثمّ منع حتى تطلب إليه أن تذره وإياه إلا ترك الاستكفاء والتفويض، كأنه إذا لم يكل إليه أمره فكأنه منعه منه فإذا وكله إليه فقد أزال المنع وتركه وإياه وفيه دليل على الوثوق بأنه يتمكن من الوفاء بأقصى ما تدور حوله أمنية المخاطب وبما يزيد عليه.