قام النبيّ ﷺ في المسجد والوليد بن المغيرة قريب منه يسمع قراءته، فلما فطن النبيّ ﷺ لاستماعه لقراءته أعاد قراءة الآية فانطلق الوليد حتى أتى مجلس قومه بني مخزوم فقال: والله لقد سمعت من محمد آنفاً كلاماً ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجنّ إنّ له لحلاوة وإنّ عليه لطلاوة، وإنّ أعلاه لمثمر وإنّ أسفله لمغدق، وإنه يعلو ولا يعلى عليه، ثم انصرف إلى منزله فقالت قريش: صبأ والله الوليد، والله لتصبأنّ قريش كلهم. فقال أبو جهل: أنا أكفيكموه فانطلق فقعد إلى جنب الوليد حزيناً، فقال له الوليد: ما لي أراك حزيناً يا ابن أخي؟ قال: وما يمنعني أن لا أحزن وهذه قريش يجمعون لك نفقة يعينونك على كبر سنك ويزعمون أنك زينت كلام محمد وأنك داخل على ابن أبي كبشة وابن أبي قحافة تسأل من فضل طعامهم فغضب الوليد وقال: ألم تعلم أني من أكثرهم مالاً وولداً، وهل شبع محمد وأصحابه من الطعام فيكون لهم فضل، ثم قام مع أبي جهل حتى أتى مجلس قومه فقال لهم: تزعمون أنّ محمداً مجنون فهل رأيتموه يخنق قط؟ قالوا: اللهمّ لا، قال: تزعمون أنه كاهن، فهل رأيتموه قط تكهن؟ فقالوا: اللهم لا، قال: تزعمون أنه شاعر فهل رأيتموه يتعاطى شعراً قط؟ قالوا: اللهمّ لا. قال: تزعمون أنه كذاب فهل جرّبتم عليه شيئاً من الكذب؟ قالوا: اللهمّ لا. وكان رسول الله ﷺ يسمى الأمين قبل النبوّة من صدقه، فقالت قريش للوليد: فما هو؟ فتفكر في نفسه وقدّر ما أسرّ».
قال الله تعالى: ﴿فقتل﴾ أي: هلك وطرد ولعن في دنياه هذه ﴿كيف قدر﴾ أي: على أي: كيفية أوقع تقديره هذا.
﴿ثم قتل﴾ أي: هلك ولعن هذا العنيد هلاكاً ولعناً هو في غاية العظمة فيما بعد الموت في البرزخ والقيامة. ﴿كيف قدر﴾ فثم للدلالة على أنّ الثانية أبلغ من الأولى ونحوه قوله:
*ألا يا اسلمي ثم اسلمي ثمت اسلمي*
(١٣/٢٤٣)
---