فإن قيل: ثبت في الأخبار أنّ الملائكة مخلوقون من النور فكيف تطيق المكث في النار؟ أجيب: بأنّ الله تعالى قادر على كل الممكنات فكما أنه لا استبعاد في أنه يبقى الحي في مثل ذلك العذاب الشديد أبد الآباد ولا يموت، فكذا لا استبعاد في إبقاء الملائكة هناك من غير ألم.
﴿وما جعلنا﴾ أي: بما لنا من العظمة ﴿عدّتهم﴾ أي: مذكورة ومحصورة ﴿إلا فتنة﴾ أي: بلية ﴿للذين كفروا﴾ وقال ابن عباس رضي الله عنهما: ضلالة وفتنة مفعول ثان على حذف مضاف أي: إلا سبب فتنة وللذين صفة الفتنة وليست فتنة مفعولاً له. وقول البيضاوي وما جعلنا عددهم إلا العدد الذي اقتضى فتنتهم وهو التسعة عشر تبعاً للزمخشري، قال أبو حيان: إنه تحريف لكتاب الله إذ زعم أنّ معنى إلا فتنة للذين كفروا إلا تسعة عشر وهذا لا يذهب إليه عاقل ولا من له أدنى ذكاء.
(١٣/٢٤٧)
---
وقال الرازي: إنما صار هذا العدد سبباً لفتنة الكفار من وجهين: الأوّل: أنّ الكفار يستهزئون ويقولون لم لا يكونون عشرين، وما المقتضي لتخصيص هذا العدد. والثاني: أن الكفار يقولون هذا العدد القليل كيف يكونون وافين بتعذيب أكثر العالم من الجنّ والإنس من أوّل ما خلق الله إلى قيام الساعة؟
وأجيب: عن الأوّل بأنّ هذا السؤال لازم على كل عدد يفرض، وعن الثاني بأنه لا يبعد أن الله تعالى يرزق ذلك العدد القليل قوّة تفي بذلك، فقد اقتلع جبريل عليه السلام مدائن قوم لوط على أحد جناحيه ورفعها إلى السماء حتى سمع أهل السماء صياح ديكتهم ثم قلبها فجعل عاليها سافلها، وأيضاً فأحوال القيامة لا تقاس بأحوال الدنيا ولا للعقل فيها مجال. وذكر أرباب المعاني في تقرير هذا العدد وجهين: