ولما كان التقدير أراد بهذا إضلال من ضل وهو لا يبالي وهداية من اهتدى وهو لا يبالي كان كأنه قيل: هل يفعل مثل ذلك في غير هذا فقال تعالى: ﴿كذلك﴾ أي: مثل هذا المذكور من الإضلال والهداية ﴿يضل الله﴾ أي: الذي له مجامع العظمة ومعاقد العز ﴿من يشاء﴾ بأي كلام شاء، كإضلال الله تعالى أبا جهل وأصحابه المنكرين لخزنة جهنم ﴿ويهدي﴾ بقدرته التامّة ﴿من يشاء﴾ بنفس ذلك الكلام أو بغيره كهداية أصحاب محمد ﷺ وهذه الآية تدل على مذهب أهل السنة لأنه تعالى قال في أوّل الآية ﴿وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا﴾ الخ، ثم قال تعالى: ﴿كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء﴾.
﴿وما يعلم جنود ربك﴾ أي: المحسن إليك بأنواع الإحسان المدبر لأمرك ﴿إلا هو﴾ أي: الله سبحانه وتعالى. قال مقاتل رضي الله عنه: وهذا جواب لأبي جهل حيث قال: ما لمحمد أعوان إلا تسعة عشر. وقال مجاهد رضي الله عنه: ﴿وما يعلم جنود ربك﴾ يعني: من الملائكة الذين خلقهم لتعذيب أهل النار، ولا يعلم عدتهم إلا الله تعالى.
(١٣/٢٥٠)
---
والمعنى: أن تسعة عشر هم خزنة النار ولهم من الأعوان والجنود من الملائكة ما لا يعلم عدتهم إلا الله تعالى، ولو أراد لجعل الخزنة أكثر من ذلك، فقد روي أنّ البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألفاً من الملائكة لا تعود لهم نوبة أخرى. وروي أنّ الأرض في السماء كحلقة ملقاة في فلاة، وكل سماء في التي فوقها كذلك، وورد في الخبر: أطت السماء وحق لها أن تئط ما فيها موضع أربع أصابع ـ وفي رواية موضع قدم ـ إلا وفيه ملك قائم يصلي ـ وفي رواية ساجد ـ وإنما خص هذا العدد لحكم لا يعلمها إلا هو.